منبر حر لكل اليمنيين

جدلية الوحدة والانفصال ودورها في خدمة الحوثيين

همدان العليي

همدان العلي::

خلال الفترة من 2004 إلى 2012 كنت من أكثر المتعصبين للوحدة اليمنية. أغلب كتاباتي كانت ضد الانفصال والمطالبين به، ويعرف صديقي العزيز الصحفي اليمني المعروف فتحي بن لزرق هذا جيدا، فقد تعرفت عليه في تلك المرحلة قبل أن أتعرف على أي صحفي شمالي بشكل شخصي. حينها كنت نشطا في بعض المنتديات (قبل ظهور فيسبوك وتويتر). كتبت، وجادلت، وواجهت المنادين بالانفصال والحوثيين على حد سواء، مؤمنا بأن وحدة اليمن قدر لا بديل عنه.
لكن بعد انتخاب الرئيس الجنوبي عبدربه منصور هادي في 2012، وكنت حينها من أكثر المتحمسين له، وصلت إلى قناعة مختلفة مفادها أن الرئيس الجنوبي سيعمل على رد حقوق الجنوبيين ومعالجة أخطاء الوحدة، وأن مصير الوحدة أصبح في يد النخبة الجنوبية. لذلك لم أعد أرى أي داع للحديث عنها. فإن أراد أهلنا في الجنوب (جنوب الفؤاد) بقاء الوحدة فهذا خير عظيم، وإن رأوا أن الانفصال خيارهم، فلا ينبغي فرض الوحدة بقوة السلاح.

عندما اقتحم الحوثيون صنعاء في سبتمبر 2014 ودخلوا منزل الرئيس الجنوبي وأساءوا له وأهانوا حراسته، كتبت حينها أن الحوثيين سيتسببون في الانفصال، لأن سيطرة جماعة طائفية على عاصمة كل اليمنيين ستدفع الأطراف الأخرى، السياسية والمذهبية والمناطقية، للبحث عن مصالحها الخاصة، وقد يؤدي هذا إلى تقسيم اليمن وهي نتيجة كارثية لكنها طبيعية بسبب ممارسات عصابة الحوثي.

منذ تلك اللحظة قررت التوقف عن الحديث حول الوحدة بذلك الشكل المتشدد، رغم عشقي الشديد لها وحرصي عليها. قلت في أكثر من مناسبة بأنني وحدوي وسأظل وحدويا، وسأُربي أطفالي على عشق اليمن الواحد، حتى لو حدث الانفصال لا سمح الله. لكنني في الوقت نفسه لن أؤيد الوحدة بالقوة، وسأقف مع ما يقرره أبناء المحافظات الجنوبية وهذا موقف ورأي كثير من الشماليين.

والحقيقة، وبكل صدق، أنه رغم إيماني الراسخ بحق أهلنا في الجنوب بتحديد واختيار مصيرهم، إلا أن الأحداث والتطورات التي شهدتها عدن وشبوة وسقطرى في مراحل سابقة كان لها -عن قصد أو دون قصد- أثر سلبي على مسار المواجهة مع عصابة الحوثي، وأسهمت في إرباك مؤسسات الدولة وإضعاف حضورها محليا وإقليميا وأمام العالم. وهذا أمر يمكن ملاحظته عند مراجعة تسلسل الأحداث خلال السنوات الماضية، حيث تزامن الانقسام الداخلي واستهداف الحكومة في عدن لأول مرة مع تراجع ملحوظ في زخم المواجهة مع الحوثيين، بغض النظر تماما عن دوافع الأطراف والشخصيات التي كانت فاعلة في تلك المرحلة.
ولا أقول إن تلك التطورات كانت السبب الوحيد في هذا الضعف، لكنها كانت عاملا مؤثرا من بين عوامل عديدة أسهمت في إرباك المشهد وتعقيد المعركة الجامعة التي تهدف إلى تحرير صنعاء. وللأسف، نرى اليوم ملامح وضع مشابه يتكرر في حضرموت والمهرة، وهو ما يخشى كثيرون أن يؤثر مرة أخرى على الجهود الوطنية المشتركة في مواجهة الجائحة الحوثية.

أعتقد أن داخل المجلس الانتقالي، كما هو الحال في أي كيان سياسي واسع، أكثر من تيار واختلاف في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع الحوثيين.
هناك تيار واضح ومخلص وصادق في عدائه لجماعة الحوثي الإرهابية، يرى أن مواجهتهم شرط أساسي بل وضرورة وجودية لبناء مستقبل جنوب آمن ومستقر. في المقابل، يوجد داخل الانتقالي من يرى أن استمرار الحوثيين في السيطرة على الشمال سيساعد على تثبيت مسار الانفصال، وأن هزيمة الحوثيين الكاملة قد تفتح الباب لعودة ترتيبات سياسية يرون أنها لا تخدم مشروع التقسيم أو “الاستقلال الكامل” كما يتم وصفه.

المشكلة أن أصحاب هذا التوجه –بعضهم بقصد والبعض الآخر دون قصد- سينتجون واقع مخالف لما يسوقون له. لأن فرض هيمنتهم بالقوة على المناطق الجنوبية المحررة وفرض التقسيم بقوة السلاح لن ينجح في بناء الدولة المستقلة المعترف بها، لكنه سينجح في إضعاف الفرصة الوطنية لتحرير الشمال واستعادة الدولة، ويمنح الحوثيين وقتا وامكانيات ومساحة ومبرر لتعزيز قوتهم، ما يجعلهم الطرف الأكثر استفادة من أي انقسام أو خطوات غير متوافق عليها. ومع مرور الوقت سيتسبب التيار الانتقالي الذي يستخدم الحوثيين كوسيلة لتحقيق أهدافه، في تسلم الجنوب لهذه الجماعة العرقطائفية التي تملك مشروعا توسعيا عقائديا قديما ولا يمكن أن تقف عند حدود جغرافية، لأنها لا تنظر إلى الجنوب كشريك كما هي الأطراف اليمنية الأخرى، بل كفراغ يمكن ملؤه في اللحظة المناسبة وحق يمكن أخذه متى ما سنحت الفرصة وبالتنسيق مع عناصرها السلالية الموجودة في مختلف محافظات الجنوب.

فرض رؤية أحد الأطراف بالقوة في المناطق المحررة، قد يؤدي إلى خلق واقع يضعف قدرة اليمنيين بشكل عام على حسم المعركة ضد جماعة الحوثي في الشمال والوسط، وسينتهي الأمر بتسليم الجنوب لهذه العصابة العنصرية.
أخيرا.. أؤمن أن الاستحقاقات والمشكلات والتحديات التي ستنتج عن تقسيم اليمن أخطر وأصعب على الشمال والجنوب والشرق اليمني، وكذلك على دول الجوار، من أي جهود تبذل لإصلاح الوحدة اليمنية.

التجارب الحديثة في دول انقسمت وهي في حالة هشاشة وضعف -مثل السودان والصومال- تثبت أن التقسيم لا يحقق استقرارا، بل يخلق دولا ودويلات أضعف ونزاعات حدودية واقتصادية جديدة، بينما يبقى إصلاح الدولة الواحدة بأي صيغة أقل كلفة وأكثر قابلية للاستمرار والنجاح.
متاعب ومشقة إصلاح الوحدة اليمنية بما يرضي أهلنا في المحافظات الجنوبية ويمنحهم كامل حقوقهم وبمساعدة الأشقاء العرب، أقل بكثير من النتائج الكارثية للتقسيم على اليمنيين شمالا وجنوبا وعلى دول الجوار أيضا. وفي النهاية.. قرار البقاء في دولة الوحدة أو الاتجاه نحو التقسيم هو قرار أهلنا في الجنوب ويجب احترامه، لكن أيضا على إخواننا المطالبين بالتقسيم الاصغاء للأصوات الجنوبية الرافضة لأي خطوات تتجاهل مطالبهم وحقوقهم تحاشيا للألغام التي ستنفجر في وجوههم في المستقبل جراء فرضهم لرؤيتهم بالقوة.

تعليقات