اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بصادق الشكر والتقدير للسفارة اليمنية في مصر ومركزها الثقافي القابع في ركن ركين مطلاً على نيل مصر الخالد باعث الحياة وواهب الخلد للزمان، على دوره النشط في المجالات الثقافية والعلمية، انطلاقاً من أن الثقافة وما يتصل بها هي أداة مهمة من أدوات القوة الناعمة لأية دولة، وجزء مهم من الجانب التنفيذي للسياسة الخارجية ضمن أدوات أخرى، منها العسكري ومنها الاقتصادي والإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي، وما إلى ذلك من أدوات يستخدمها العاملون في الحقل الدبلوماسي في التدعيم وتعزيز دور بلدانهم في ركب الحضارة الإنسانية.
ولقد سعدت أيّما سعادة عندما طلب مني الأخ الدكتور نجيب عسكر ، هذا اليمني الأصيل أن أشارك في تقديم كتابه الموسوم ” التعايش الإنساني … الواقع والمأمول” ومنبع سعادتي هو أن الكتاب يعد رحلة فكرية وإنسانية تسلط الضوء على أهمية التفاهم بين البشر رغم اختلافاتهم، فى هذا التوقيت الصعب الذي تمر به بلادنا جميعاً، حيث تدْلَهِمُّ الخطوب والرزايا التي تكاد تعصف ليس ببنيان هذه الدول فقط ، وإنما بكياناتها أيضاً.
والدكتور نجيب، لمن لا يعرفه ، هو شاعر وأديب وكاتب وخبير تربوي ، يحمل درجة الدكتوراة في الإدارة والتخطيط التربوي ، وهو عضو في الشبكة الإعلامية اليمنية الأمريكية ، وله مشاركات في البرامج الإعلامية والمنصات المختلفة ، ويركز في أعماله على الثقافة والإبداع، كما أنه يعمل ككاتب ومدرب وخبير تربوي ، ويتخصص في القيادة الريادية.

وقد بدأ مسيرته الشعرية في طفولته بمحافظة إب باليمن متأثراً بجمالها الطبيعي، ويُعرف عنه ذوقه الشعري ، وأخلاقه الحسنة وأدبه الجم ، وتواضعه الشديد.
وبالحديث عن الكتاب ، يمكن لنا القول :
• الكتاب من طباعة ونشر مؤسسة يسطرون للطباعة والنشر والتوزيع، ومقرها شارع فيصل بمحافظة الجيزة المصرية . وهو من القطع المتوسط 17 ×24 سم ، ويقع في 310 صفحات بخلاف الغلاف .
• يضم الكتاب مقدمة وأربعة فصول، يتضمن الأول أربعة مباحث ، بينما يتناول الثاني سبعة مباحث، في حين يضم الثالث أربعة مباحث ، ويضم الفصل الرابع ستة مباحث.
• تتمثل فكرة الكتاب الرئيسية في أن التعايش عموماً هو الأصل فى طبيعة المخلوقات، وبالذات فى إطار المجموعات التي تنتمى إليها غالباً مثل : مجموعات الطيور ذات الفصيلة الواحدة ، ومجموعات الأسماك ، ومجموعة البشر، مع وجود أنواع من التعايش القائم على تبادل المنفعة بين مجموعات غير متشابهة من الكائنات الحية ، إذ يقوم التعايش هنا على أساس الفائدة لكل الأطراف، وأحياناً فائدة طرف وعدم خسارة طرف آخر ، لكن الخسارة لطرف أو للطرفين تنفي صفة التعايش بين تلك الأطراف.
• ولكن يظل التعايش فى عالم البشر ذا طابع خاص ، فعلى الرغم من أن البشر ينتمون إلى أصل واحد هو سيدنا آدم عليه السلام ، ولا يختلفون في تكوينهم العضوي ، ولا يتمايزون إلى مجموعات ذات مخالب وأنياب، إلا أنهم تباينوا إلى مجموعات قد تجمعها مصلحة أو معتقد أو إطار جغرافي أو لون أو انتماء عرقي ، فنشأت بينهم الصراعات التي خلقت العداوات، وخلّفت المعاناة ، وأشعلت نيران الأحقاد، وفرقت أواصر التقارب والتآلف داخل المجتمعات وبين الشعوب المختلفة ، مع ارتفاع وتيرة الأطماع من قبل الأقوياء وأصحاب النفوذ العالمي ، وجماعات الضغط والمصالح المنتشرة في دول العالم.
• كل ذلك يجعل من الأهمية بمكان ، بل ومن الضروري تحكيم العقل ، ومراعاة المصالح المشتركة، والتنبه لكافة المخاطر التي تحدق بالبشرية ، والعمل الجاد من أجل تعزيز مبادئ المحبة والسلام ، وقيم التعايش الإنساني، عبر السعي المتواصل لمد جسور التواصل والحوار على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.


• لقد حرص الكاتب على إبراز أن التعايش في صورته الإيجابية هو الطريق الأمثل لإزكاء روح التعاون والعطاء والتكامل بين الأفراد والمجتمعات ، وصولاً إلى تحقيق السعادة بين الشعوب وبناء الحضارات ، فضلاً عن أنه يمثل الحصن المنيع الذي تتحطم على أبوابه هجمات العنف والإرهاب والتطرف ، وتنطفئ أمامه براكين الصراعات ، وتدفن على يديه مستنقعات الفوضى والاضطرابات والحروب المدمرة .
• أيضا، حرص الكاتب على تناول العلاقات الإنسانية ، من ناحية مفهومها ومظاهرها، مفصلاً رحلة تطور هذه العلاقات عبر العصور؛ وصولاً إلى العصر الحديث ، كما تناول منابت الصراع وجذور الكراهية، ومفهوم الصراع وأنواعه وأسبابه ، وكيفية التعامل مع الصراعات الفردية وتلك الجماعية ، ثم تطرّق إلى الكراهية .. جذورها والأسباب، وكذلك خطاب الكراهية والفرق بينه وبين حرية التعبير التي تعد ضرورية لكافة البشر، وإن كان البعض يستخدمها أو يتخذ منها معملاً لإنتاج خطاب الكراهية ، على حد وصفه ، وهو ما يتطلب التمييز بينهما ، وتعزيز الأولى وهي حرية التعبير، وتجريم الثانية وهي خطاب الكراهية والحض عليه في إطار نشر الشائعات ومحاولات تقويض الدول من الداخل.
• ورغم أن الكتاب عني بالأفكار الإيجابية التي تصب في صالح التعايش وأهميته بالنسبة للبشر خاصة وكافة المخلوقات عامة ، إلا أن ما يلفت النظر فيه تطرقه إلى موضوع علاقة الإسلام بالتعايش ، وذلك في الفصل الرابع ، ثم تناوله مقاصد الشريعة ، وكيف أن الاسلام هو حامل راية التعايش بين المسلمين ، وبينهم وبين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ، مستعرضاً تاريخ الإسلام في هذا الشأن ، ورؤيته للتعايش مع الآخر، وكيف أن الشرع الحنيف وضع عدة وسائل لتفعيل الدعوة الإسلامية للحد من خطاب الكراهية، ناهيك عن مطالبته بتجديد الخطاب الديني ، وتطوير استراتيجيات الدعوة الاسلامية ، من خلال :
– تحويل الدعوة الإسلامية إلى سلوك عملي جاذب.
– اختيار الأئمة والدعاة من المؤهلين للقيام بهذه المهمة الحساسة .
– تفعيل دور اللغة العربية والاهتمام بها، وكذلك الترجمة للتعرف على أفكار الآخر ودراستها .
– التخلي عن الأفكار المتطرفة، ونبذ العنف والإرهاب.
– تعلم اللغات الأجنبية لمعرفة طبائع الشعوب والجماعات .
– تنمية الأخلاقيات في المدارس والجامعات ومعاهد العلوم بصفة عامة .
– عدم توظيف الدين في السياسة والعكس.
– الاستثمار في الإعلام الجيد صاحب الرسالة الواعية .
– إنشاء مراكز أبحاث دينية بهدف اتباع المنهج العلمي في فهم النصوص، والعناية بكل جوانب الدين الاسلامي، والمساعدة على تقديمه للعالم بصورة أفضل، والمساهمة في نشر المحبة بين البشر والخلائق.
• وإنني إذ أتقدم بالتحية لأخي الدكتور نجيب عسكر على كتابه القيم ، الذي يجيء في وقت تحتاجه المكتبة العربية بشدة ، لأودُّ الإشارة إلى ضرورة الاستفادة مما ورد فيه من مادة علمية ، ومن أهمية نشره بين مختلف الفئات؛ لتعظيم الاستفادة وتعزيز قيم المحبة والتسامح والتعاون والتكافل فيما بيننا، ومن هنا أطالب الأخوة اليمنيين جميعاً بما يلي :
• معرفة قدر وأهمية بلادهم اليمن أصل العرب، و دورها في تطور الحضارة الإنسانية ، والتمسك بالقيم العربية الأصيلة، رغم ما يلا قونه من مشقة ومعاناة في بعدهم عن بلادهم ، في أي مكان ، مهما كان .
• تغليب المصلحة الوطنية العليا لليمن على ما عداها؛ حتى يتم الخروج من الأزمة الحالية التي تكاد تعصف بالكيان اليمني على إطلاقه.
• تعزيز دور التضامن والتلاحم بين كافة مكونات الشعب اليمني، سواء في داخل اليمن أوخارجه لمواجهة التحديات الخطيرة التي يمر بها الشعب اليمني، والتي لا يعتريني أدنى شك في أن صلابة مقوماته سوف تؤهله في نهاية المطاف للخروج من الأزمة؛ ليعود اليمن يمناً سعيداً لشعب طيب كريم ، وليس ذلك على الله ببعيد .
• تعزيز دور منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام الجادة؛ لتوضيح الصورة التي يعانيها اليمنيون في الداخل، وما تمر به البلاد من أزمات إنسانية وغيرها في مختلف المجالات.
• تعزيز الدور الإيجابي للقبيلة؛ خدمةً لمصالح الوطن والمواطن؛ انطلاقاً من دورها المهم الذي يمكن التعويل عليه، اذا ما صدقت النوايا وصلحت العلاقات، وبما يؤدى الى النتائج المرجوة لصالح شعبنا اليمنى الأصيل .. صادق شكري وتقديري للجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كلمة السفير أشرف عقل التي قدمها في الأمسية أتمنى نشرها بأي موقع لك به صلة، مع خالص المحبة