منبر حر لكل اليمنيين

قرارات الزبيدي وتداعياتها على تماسك مجلس القيادة الرئاسي والوضع اليمني

أ.د.عبدالوهاب العوج

شهد شهر سبتمبر 2025 واحدة من أكثر المراحل توتراً داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني منذ تأسيسه في إبريل 2022، إذ أصدر عيدروس الزبيدي، عضو المجلس ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، سلسلة من القرارات والتعيينات التي شملت وكلاء وزارات ورؤساء هيئات ووكلاء محافظات، إلى جانب عشرات التعيينات الأخرى التي اتخذت طابعاً أحادياً (المصدر: عدن الغد 20 سبتمبر 2025). هذه الخطوة أحدثت صدى واسعاً ليس فقط في الساحة الجنوبية، بل في هيكلية الشرعية برمتها، لما حملته من دلالات سياسية وقانونية.

تكتسب هذه القرارات أهميتها من كونها صادرة عن عضو في مجلس القيادة يفترض أن قراراته جماعية لا فردية، إذ ينص القرار الجمهوري رقم 9 لسنة 2022 الخاص بنقل السلطة على أن الصلاحيات التنفيذية تمارس بصورة مشتركة بين أعضاء المجلس، وهو ما دفع مجلس القيادة إلى إصدار بيان رسمي أعلن فيه مراجعة قانونية شاملة للقرارات والتعيينات الصادرة عن الزبيدي خلال سبتمبر، بل وتوسيع المراجعة لتشمل جميع القرارات والتعيينات منذ تشكيل المجلس، مع تكليف فريق قانوني متخصص برفع توصيات عاجلة خلال مدة زمنية قصيرة (المصدر: موقع مجلس القيادة الرئاسي 18 سبتمبر 2025).

هذا التباين ألقى بظلاله على وحدة المجلس، إذ بدا أن الزبيدي أراد عبر موجة التعيينات تعزيز نفوذ الانتقالي الجنوبي في مؤسسات الدولة وإبراز حضوره السياسي والإداري في مواجهة ما يصفه أنصاره بتهميش متواصل للجنوبيين، في حين اعتبر أعضاء آخرون في المجلس أن القرارات تمثل تجاوزاً للصلاحيات وتُضعف قاعدة الشراكة القائمة، الأمر الذي يفتح الباب أمام صراع داخلي حول الصلاحيات الدستورية وحدود التفويض (المصدر: الصحوة نت 19 سبتمبر 2025).

انعكاسات هذه الخطوات على تماسك المجلس كانت سريعة، إذ شهدت الأيام التالية تراشقاً إعلامياً واتهامات متبادلة بشأن شرعية القرارات ومدى التزامها بالنصوص الدستورية، كما رُصدت وقائع ميدانية مثل اقتحام مكتب نائب وزير الإعلام في عدن وتسليمه لشخصية عيّنها الزبيدي، وهو ما فُسّر كترجمة عملية للتوتر السياسي في شكل صدام إداري مباشر (المصدر: يمن ميديا 18 سبتمبر 2025).
ان هذا التحول من الخلاف السياسي إلى إجراءات على الأرض ينذر بتحويل التوتر إلى مواجهة علنية قد تربك مؤسسات الدولة وتشل عمل الوزارات الخدمية ويخدم مليشيات الحوثي الإيرانية المتربصة بالجميع.

اللافت أن الحوثيين كانوا أول المستفيدين من هذه الأزمة، إذ استغلوا الشرخ داخل الشرعية لترويج خطابهم الإعلامي القائم على فكرة أن الحكومة “ممزقة” و”غير قادرة على إدارة البلاد”، وهو خطاب يلقى صدى لدى بعض الأوساط الشعبية التي فقدت ثقتها بالسلطات الرسمية نتيجة تعثر الخدمات وتدهور الاقتصاد (المصدر: وكالة سبأ الحوثية 17 سبتمبر 2025). كما أن الحوثيين يدركون أن أي فراغ إداري أو تعطيل للوزارات في عدن يمنحهم فرصة لتعزيز سيطرتهم في مناطقهم، ويُسهّل عليهم مواجهة ضغوط دولية أو دعوات لاستئناف التفاوض من موقع قوة.

أما على صعيد الشركاء والداعمين الدوليين للشرعية، فقد أثارت الأزمة قلقاً واضحاً، إذ ينظر المجتمع الدولي إلى المجلس الرئاسي باعتباره الإطار السياسي الموحد الذي جرى تشكيله برعاية إقليمية ودولية لتوحيد القرار اليمني، وأي تصدّع داخلي فيه يعني عملياً إضعاف الجبهة المقابلة للحوثيين. لذا جاءت ردود الفعل حذرة، مع دعوات إلى احتواء الخلاف وعدم تحويله إلى أزمة بنيوية، في حين تتداول أوساط دبلوماسية معلومات عن احتمال ممارسة ضغوط سعودية وإماراتية لإلزام المجلس بوضع آلية واضحة للتعيينات وتحديد اختصاصات كل عضو، حتى لا تتكرر مثل هذه الإشكالات (المصدر: الشرق الأوسط 17 سبتمبر 2025).

من الزاوية القانونية، تقف الأزمة عند مفترق طرق، فإما أن تُضفى الصفة الرسمية على التعيينات بعد مراجعة قانونية تضمن سلامتها الشكلية والإجرائية، وهو ما قد يرضي الانتقالي لكنه يمنحه نفوذاً أكبر في مفاصل الدولة، أو أن تُلغى وتُعدّل، وهو ما قد يثير غضب الشارع الجنوبي ويعزز نزعة الانفصال أو التصعيد السياسي. وفي كلا الحالين، تظل النتيجة الأبرز هي اهتزاز ثقة المكونات السياسية ببعضها البعض وتآكل الأرضية المشتركة التي تأسس عليها المجلس (المصدر: البيان الإماراتية 18 سبتمبر 2025).

انعكاس هذه التطورات على الوضع اليمني العام يتمثل في تعميق حالة الانقسام السياسي والإداري، وإضعاف مؤسسات الدولة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى سلطة مركزية متماسكة لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، فضلاً عن خطر تمدد الجماعات المسلحة في ظل أي فراغ، وهو ما يضعف قدرة الشرعية على التفاوض أو الحصول على دعم مالي دولي مشروط بالإصلاح والاستقرار.

في المحصلة، يمكن القول إن قرارات عيدروس الزبيدي في سبتمبر 2025 مثلت اختباراً جدياً لتماسك مجلس القيادة الرئاسي، وأعادت إلى الواجهة جدلية الصلاحيات وآليات اتخاذ القرار داخل الشرعية، وفتحت الباب أمام الحوثيين لتعزيز روايتهم واستغلال الفراغ، كما وضعت الشركاء الدوليين أمام معضلة جديدة في إدارة ملف اليمن. غير أن الأزمة تحمل أيضاً فرصة لإعادة صياغة قواعد الشراكة بآليات أكثر شفافية ومؤسسية، إذا ما استثمر المجلس اللحظة لصياغة نظام داخلي واضح للتعيينات وضمان عدم تكرار التجاوزات، وهو ما قد يحول الأزمة من تهديد إلى مدخل للإصلاح.

*أكاديمي ومحلل سياسي يمني

تعليقات