منبر حر لكل اليمنيين

جمعة رجب.. حين دُنِّست بيوت الله وسُفك الدم في محراب الصلاة

فيصل الشبيبي/

فيصل الشبيبي::

تعود إلينا جمعة رجب، لا كي تكون مجرد تاريخ في الذاكرة، بل جرحًا مفتوحًا في وجدان اليمنيين، وذكرى سوداء لجريمة إرهابية بشعة هزّت الضمير الإنساني قبل أن تهز أركان الدولة.

في أول جمعة من رجب، 2011 امتدت يد الغدر لتفجّر مسجد دار الرئاسة أثناء صلاة الجمعة، مستهدفة رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح وكبار قيادات الدولة، في جريمة لم تعرف حرمة زمان ولا قدسية مكان.

في بيتٍ من بيوت الله، وأثناء السجود، سقط الشهداء، وتلطّخ المحراب بدماء الأبرياء، وأصيب الزعيم وكبار المسؤولين بإصابات بالغة، في صورة لم يشهدها اليمن في تاريخه الحديث.

كانت رسالة الجريمة واضحة: لا قدسية لمسجد، ولا حرمة لصلاة، ولا قيمة لحياة إنسان، ما دام الهدف هو إسقاط الدولة ودفع الوطن إلى أتون الفوضى والحرب الأهلية.

الأكثر إيلامًا أن تلك الجريمة لم تُقابل بالإدانة من أصحاب الساحات آنذاك، بل بالاحتفال والغناء والرقص وذبح الثيران، في سقوط أخلاقي غير مسبوق، كشف حجم التحريض والتوحش الذي كان يُحضَّر لليمن، حيث دشّنت تلك اللحظة نهجًا دمويًا ما زال اليمن يدفع ثمنه حتى اليوم.

اعتبر مجلس الأمن الدولي تلك الجريمة عملًا إرهابيًا مكتمل الأركان، وتم توجيه الاتهام لعشرات الأشخاص، واعتُقل بعض المتورطين، في تأكيد قانوني أن ما حدث لم يكن حادثًا ولا خلافًا سياسيًا، بل جريمة إرهاب موثقة. غير أن الصفقات السياسية المشبوهة اللاحقة، أصرت على طمس الجريمة ومعالمها والمتورطين فيها، حيث قامت حورية مشهور وزيرة حقوق الإنسان عام 2013 وبدعم كبير حينها من الإفراج عن 19 متهمًا من السجن المركزي بصنعاء، على اعتبار أنهم ثوار، وفي عام 2019، مكّنت بقية المجرمين من الهروب إلى مأرب، في صفقة مشبوهة ومعلنة ميليشيا الحوثي، ليُطوى ملف العدالة مؤقتًا، لا أكثر.

في هذه الذكرى الأليمة، يبرز اسم الشهيد عبد العزيز عبد الغني، أحد أعمدة الدولة ورجالاتها المخلصين، الذي ارتقى في تلك الجريمة الغادرة، شاهدًا على حجم الخسارة التي مُني بها الوطن، ورمزًا لثمن الدولة حين تُستهدف من قوى لا تؤمن إلا بالفوضى.

ورغم الجراح الغائرة، يظل خطاب الزعيم علي عبد الله صالح بعد الحادثة شاهدًا على عظمة التسامح وقوة الدولة، حين قدّم مصلحة اليمن على جراحه، ورفض الانجرار إلى دائرة الانتقام، مؤمنًا أن الدولة لا تُدار بالأحقاد، بل بالحكمة وضبط النفس.

ما تشهده اليمن اليوم من حرب وتمزق وانهيار، هو امتداد مباشر لتلك اللحظة التي استُهدف فيها المسجد، والدولة، ومعنى التعايش. ولهذا، فإن التذكير بهذه الجريمة ليس نبشًا للماضي، بل دفاع عن المستقبل، ورسالة بأن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة قد تتأخر لكنها لا تموت.

ستبقى جمعة رجب شاهدًا على أبشع جريمة في تاريخ اليمن الحديث، وسيبقى المجرمون، مهما طال الزمن، مطلوبين للعدالة، لأن الدم الذي سُفك في بيوت الله، لا يمكن أن يُنسى، ولا يمكن أن بسقط بالتقادم.

تعليقات