مصطفى المخلافي::
بلا شك بأن بيان قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام في الخارج، أشبه بنداء عميق، يحمل قصة بلد ظل يبحث عن ظله في وجه مرآه قديمة، ويعيد تعريف القضية اليمنية واكتشافها كما هي، أما الأهم أن البيان عصف برياح السياسة وهزائمها حين تجاوز حدود الموقف السياسي الظرفي، ليثبت مجدداً أن سفينة المؤتمر الشعبي العام ما زالت قرب الشاطئ، تُراقب الأمواج وتلاطمها، ولم تكن يوماً بعيدة عن الحدث، وهو الأمر الذي أستدعى قيادات الحزب في الخارج لإصدار هذا البيان، الذي جاء ليفتح نافذة على تلك المرآة القديمة، مزيلاً عنها غبار الانكسار وتراكمات الزمن، ومن خلال تصوري فإن البيان جاء تأهباً للحظة التي أدرك فيها الجميع أن لا شاطئ يمنح الأمان سوى ذلك الذي شُيدت مداميكه بروح الميثاق، وإن هذا الاستدعاء هو في جوهره استعادة للذات الوطنية، ومحاولة جادة لإعادة ترتيب ملامح الصورة التي تشظت، ليظل حزب المؤتمر الشعبي العام هو الظل الذي يستظل به الوطن كلما اشتد هجير التيه، والحقيقة التي تشرق في وجه الزيف.
طالعت سطور البيان، فانتابني شعور جارف بأن هذا الحزب حارس للذاكرة، أتى ليجد كل البلاد تتآكل حتى أطرافها، أقرأ البيان وأُُشاهد حبر ينسكب ويحذر من لحظة سياسية شديدة العتمة، حيث تداخلت الأزمات وباتت بنية الدولة كأنها أطلال قديمة، وهي لحظة جسدت بأن المؤتمر الشعبي العام يحاول من خلال هذا البيان الذي أراهُ في حقيقة الأمر نداء يُرمم مرآة اليمن التي تهشمت، ورفضه بشده اختزال جنوب وشرق الوطن في مطالب مناطقية تتعارض مع قيم ومبادئ وأهداف الجمهورية اليمنية والمواطنة المتساوية.
أما الأمر الذي لفتني جداً، أن البيان بدا وكأنه قلادة طويلة تتدلى منه صورة حزب عريق بوشاح اليمن، بيان كأنه جسراً ينقلك إلى قلب الحدث، ثم يهديك الحلول على هيئة قُبلة، ووحده حزب المؤتمر الشعبي العام من باستطاعته رسم مشهد نبض الوطن، ويضج بالمشاعر لمجرد أن يشعر الناس بأنه متواجد، ليجعلهم يطمئنون في أماكنهم كما لو أن البلاد تحررت.
يُشير البيان أيضاً إلى عُمق طبيعة الصراع في اليمن ويحوله إلى مسألة سلوكية، حتى يرتبط المواطن أو المتابع بالواقع، ثم يسرد آلية السلام في اليمن، وينوه للدور المنوط الذي تقوم به الأطراف المتصارعة على الأرض، خاصة حين ندرك قيمة وتوقيت البيان الذي كان مثخناً بالكثير من الرسائل والتحذيرات، وهو بيان أتى في لحظة تشكل صراع مدفوع من الخارج بهدف اغراق الوطن في تجارب ومغامرات لن يكون الإقليم بمنأى عن تداعياتها، وهذه ربما أحد أهم الرسائل التي حملها البيان حتى لو لم يلمح إليها.
ولعُمري أن البيان كان كافٍ لأن يُضفي شحوب الوطن جمالاً ويحملهُ في عينيه طويلاً، خاصه أن جوهر النقاط التي جاءت فيه كانت انبثاق لجوهر نقي مؤمن بالوحدة اليمنية المُباركة التي تمثل توجهاتنا في الحياة، وشخص الأحداث وفق تطورها، دون الاستغناء عن السؤال المرتبط بكيفية الواقع المُتخيل ونوع التجربة التي تجعلنا مع القضية الأساسية وجهاً لوجه.
ولعل ما نستخلصه من البيان مرتبط بالحياة العامة لليمنيين، ومنه ما هو مرتبط بالمخاطر التي تهدد وحدة واستقرار الوطن، وهو بيان نابع من واقع وقوة تجارب حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يدرس الكثير من الأمور قبل أن يتحدث بها، ومن ثم يتم التركيز عليها وعلى الفكرة من جذورها، وتصويرها ذهنياً للمتابع لتتناسب مع متغيرات اللحظة، إضافة إلى التأثير العام للأمكنة بكافة اختلاف انماط القضايا، كما في رواية “الحياة” التي تم تصويبها كسهم إلى ذهن المتابع الذي يسدل ستائره على جفون تقاومه بابتسامة قديمة.
بدا البيان وكأنه الوحيد في هذه المعركة الذي أستدعي فيه الاصطفاف والوحدة، فيما تنمو الأزمات من حول الوطن مثل أشواك غير مرئية، ثم وحده المؤتمر وبمفرده من يحاول منع جفاف الماء وتسلل الضوء لهذا البلد المنكوب، ايقنت من حدسي أن هذا البيان يحمل فصولاً كاملة من الخوف لبلد لطالما كان آمناً مطمئناً في ظل حكم حزب المؤتمر الشعبي العام.
ثم انتبهت لا حقاً إلى طريقة ولغة سرد البيان، والحمية للوطن التي كانت تطوي سطوره بين أصابع الوطن النحيلة، أصابع لم تعد تدري لمن توجه الاتهام ولمن ترفع له راية السلام، عرفت حينها أن الفُقد الذي يعيشه الوطن، هو فُقد حزب المؤتمر الشعبي العام وقياداته الوطنية الشريفة والمخلصة، خاصة حين نسترجع زمن احتضن كل البلاد من صعدة حتى المهرة، ومن ميدي حتى أصقاع الوطن.
وقبل أن يكون البيان نداء وطني صادق، هو في حقيقة الأمر نص مكتوب بصيغة وثيقة وطنية نرتبط جميعنا معها ذهنياً، والأكثر قوة أنه أثار الكثير من العصف الذهني عند القارئ، وعلى وجه الخصوص عند المواطن البسيط الذي يحلم بأن يعيش بسلام دون حروب أو صراعات، ثم حاول البيان تفكيك الخيوط المتشابكة التي تداخلت مؤخراً مع أكثر من طرف، وجعله رؤية تنبيهية لمخاطر مستقبلية قد يتعرض لها المجتمع اليمني، وهي رؤية عقلانية لا تنفصم عن فكرة طرح الحلول والمبادرات درءاً للفتنة.
من حزب المؤتمر الشعبي العام، إلى الفرقاء، حافظوا على وحدة الوطن، هكذا خاطب بيان قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام في الخارج، الأطراف في الداخل لمواجهة التحديات والعدو الأزلي للجمهورية واليمنيين المتمثل بميليشيا الحوثي الإرهابية، ومن هنا جاء ارتباك الحوثي خوفاً من هذه الدعوة، خاصة وأن البيان هبط فجأة في أعماق اليمنيين، وتفاعل معه الناس كأمل وحيد للكيان اليمني الواحد، بعد أن غرس في قلوبهم نبتة نعرفها جميعاً، نبتة عرفناها وتعايشنا معها حين كنا دولة ذات سيادة وجيش وكرامة، نبتة الأمان التي تأتي على هيئة حزب كالمؤتمر الشعبي العام، وهذا ربما هو الأهم، أن يأتي بيان قيادات المؤتمر مثل نيزك قديم، يُصيب مارد، ويقتل آخر، لكنه يُضيء ظلام كل الوطن كلما داهمهُ العتمة.