منبر حر لكل اليمنيين

أحمد علي عبدالله صالح.. صوت العقل في زمن الانقسام

نزار الخالد

في لحظة وطنية شديدة الحساسية، تتقاطع فيها الأزمات السياسية مع التحديات الأمنية، وتتشظّى فيها المواقف بين مصالح ضيقة ومشاريع متنازعة، وتغيب فيها الرؤية الجامعة لصالح صراعات تستنزف الدولة وتبدّد ما تبقى من الثقة، جاءت كلمة نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام، السفير أحمد علي عبدالله صالح، لتشكّل علامة فارقة في المشهد اليمني، وصوتًا عاقلًا يعلو فوق ضجيج التصعيد، ويخترق جدار الاستقطاب الحاد، ويعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح: الوطن أولًا، والدولة قبل كل شيء، بوصفهما الإطار الوحيد القادر على إنقاذ اليمن من دوامة التفكك والانزلاق نحو المجهول.

لم تكن الكلمة مجرد موقف سياسي عابر، بل خطابًا وطنيًا عميقًا، حمل في مضامينه قراءة دقيقة للواقع اليمني، وتشخيصًا مسؤولًا لأسباب التدهور، وتحذيرًا واضحًا من مخاطر الانزلاق نحو صراعات جانبية لا تخدم سوى العدو الحقيقي، المتمثل في مليشيا الحوثي الانقلابية والتنظيمات الإرهابية المتربصة باستهداف اليمن أرضًا وإنسانًا.

لقد دعا السفير أحمد علي عبدالله صالح، بوضوح وشجاعة، رئيسَ وأعضاءَ مجلس القيادة الرئاسي، وجميع القوى والفرقاء السياسيين، إلى تجاوز الخلافات والدوافع الخاصة، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا، مؤكدًا أن الوطن أكبر من أي مشروع، وأسمى من أي حسابات ضيقة، وأن المرحلة الراهنة لا تحتمل مزيدًا من التنازع أو الاستقطاب، في ظل ما يمر به اليمن من ظروف استثنائية منذ انقلاب الحوثي السلالي الكهنوتي على الدولة ومؤسساتها.

تكمن أهمية هذه الكلمة في توقيتها أولًا، وفي مضمونها ثانيًا؛ إذ جاءت في ظل تصعيد ميداني مؤسف شهدته بعض المحافظات الشرقية، وما رافقه من أعمال عنف وتوترات تهدد السلم الاجتماعي، وتفتح ثغرات خطيرة في جدار المواجهة الوطنية ضد الحوثي. ومن هنا، جاء التحذير من أي خطوات تصعيدية قد تضر بوحدة الصف الوطني وتُعطّل معركة استعادة الدولة. فهذا الموقف النبيل والواضح لم يكن موقفًا إنشائيًا، بل نداءً مسؤولًا يستشعر خطورة اللحظة ويدرك كلفة الانقسام.

وقد أكد السفير أحمد علي عبدالله صالح أن الوقف الفوري للتصعيد، وضبط النفس، والعودة إلى الحوار المسؤول، ليست خيارات سياسية ترفية، بل ضرورة وطنية ملحّة، لأن أي تصعيد داخلي لن يؤدي إلا إلى زعزعة أمن اليمن واستقراره، وإضعاف الجبهة الجمهورية، ومنح الحوثي فرصًا إضافية لتعزيز نفوذه واستثمار التناقضات بين خصومه.

وهنا تتجلى وطنية الخطاب، حين يضع معركة استعادة الدولة في صدارة الأولويات، باعتبارها المعركة الجامعة التي لا تحتمل التشتيت ولا التأجيل. فاليمن اليوم، كما أشار الخطاب ضمنيًا، لا يعاني من نقص في الرجال أو الإمكانات، بقدر ما يعاني من غياب القرار السياسي الموحّد، والإرادة الصلبة التي تضع حدًا للفوضى وتوجّه البوصلة نحو الهدف الحقيقي: تحرير صنعاء، واستعادة مؤسسات الدولة، وبسط السيادة الوطنية على كامل التراب اليمني.

كما شددت الكلمة على أهمية حماية النسيج الاجتماعي، وصون وحدة اليمن وسيادته، وعدم الانجرار إلى صراعات تهدد التعايش بين أبناء الوطن الواحد. وهو بُعد أخلاقي بالغ الأهمية، يعكس إدراكًا عميقًا لطبيعة المجتمع اليمني، وخطورة العبث بتوازناته الاجتماعية في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى أعلى درجات التماسك.

ولم تغفل الكلمة الإشارة إلى أهمية دعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق السلام العادل والشامل، بما يحفظ لليمن أمنه واستقراره وكرامته، بعيدًا عن الإملاءات أو المشاريع المفروضة بالقوة؛ سلام يقوم على استعادة الدولة، لا على شرعنة الانقلاب أو مكافأة المليشيات.

إن تعامل السفير أحمد علي عبدالله صالح مع اللحظة اليمنية الراهنة يعكس حسًا سياسيًا عاليًا، ومسؤولية وطنية نادرة، إذ خاطب الجميع بلا استثناء، ووجّه رسالته من موقع الحريص على اليمن، لا الباحث عن مكاسب آنية أو تسجيل نقاط سياسية. كما قرأ بذكاء اتجاه الشارع اليمني، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، ذلك الشارع المتعب من الحروب والانقسامات، والمتطلع إلى دولة عادلة وأمن مستقر.

في المحصلة، نحن أمام بيان سياسي مهم، يعبّر عن ضمير وطني حي، ويعيد التذكير بالثوابت الجمهورية، وبأن العدو الحقيقي هو الحوثي، وأن أي صراع جانبي يُعد خدمة مجانية له. وهي رسالة يجب أن تُقرأ بتمعّن، وأن تُترجم إلى مواقف عملية، لأن اليمن لم يعد يحتمل المزيد من النزيف.

لقد قالها السفير أحمد علي عبدالله صالح بوضوح: فلنجتمع جميعًا، ولنرصّ الصفوف، ولنواجه العدو المشترك، من أجل يمن آمن، مستقر، يتسع لكل أبنائه. وهي دعوة تستحق التقدير والإشادة والتفاعل المسؤول، لأنها تنطلق من عمق وطني صادق، وتضع اليمن فوق الجميع.

تعليقات