منبر حر لكل اليمنيين

أي أمة لا تعرف قيمة نفسها هي أمة ميتة: اليمن بين غفلة الذات وانتظار الخلاص

د. عادل الشجاع

في خضم الأزمات التي تنهش جسد اليمن منذ عقود، تبرز حقيقة مرة قلّما تُقال بصراحة: الشعب اليمني لا يدرك بعد تماما قيمة نفسه، ولا قيمة بلاده ولعل هذه الغفلة الجماعية هي التي جعلت اليمن يبدو كأمة ميتة من الداخل، عاجزة عن إدارة نفسها، منتظرة حلولا تأتيها من الخارج، كما لو أن مصيرها ليس بيدها، بل بأيدي غيرها..

الجهل بالقيمة الذاتية: بداية الانحدار

عندما يفقد الإنسان وعيه بذاته، يصبح من السهل قيادته، التحكم به، بل واستغلاله، وهذا ينطبق تماما على الشعوب، فالشعب اليمني، رغم امتلاكه تاريخا ضاربا في الجذور، وإرثا حضاريا عظيما يمتد من سبأ وحِمير إلى عصور المقاومة والاستقلال، إلا أنه اليوم يتعامل مع ذاته على نحوٍ دوني، لا يرى نفسه كعنصر فاعل في تقرير المصير، بل كضحية مستمرة، وكشعب مسكين بحاجة دائمة إلى مساعدة خارجية..

هذا الجهل بالقيمة الذاتية هو ما جعل اليمن ساحة مفتوحة لكل من أراد أن يعبث بها. فالأطراف الخارجية، الإقليمية والدولية، لا تدخل بلدا قوي الإرادة، واثقا من نفسه، بل تدخل حين تجد فراغا في الداخل، وحين تجد شعبا لا يثق بقدراته، ولا يؤمن بإمكاناته، ولا يطالب بحقوقه كما يجب..

الاعتماد على الخارج: وهم النجاة

من المثير للسخرية أن الكثير من اليمنيين اليوم، في الشمال والجنوب على حد سواء، باتوا ينتظرون المخلص من الخارج، سواء كان دولة إقليمية، أو بعثة أممية، أو وسيطا دوليا، أو حتى طرفًا عسكريًا، ينتظرون أن يأتيهم الحل كما تُرسل الإعانات الإنسانية، وكأن الحل لا يمكن أن ينبع من الداخل، وكأن إرادتهم مشلولة..

هذا الاعتماد الدائم على الخارج لم يكن فقط سياسيا، بل ثقافيا ونفسيا أيضا، فالعقل اليمني أصبح يرى نفسه دوما في موضع المتلقي، لا الفاعل. وكأن اليمن لا يستحق أن يكون سيد قراره، أو كأن أبناءه لا يستطيعون الجلوس إلى طاولة وطنية نزيهة لصياغة مستقبلهم..

غياب القيادة الشعبية: موت الضمير العام

الأمم الحية هي التي تمتلك كتلة شعبية واعية، تعرف حقوقها، وتطالب بها، وتحاسب من يقودها، لكن في اليمن، غابت هذه الكتلة، أو تم تغييبها بفعل الحرب والتجويع والانقسام الطائفي والمناطقي، ولهذا، أصبح الناس يعتادون القهر، ويتعاملون مع الفساد والفشل كأقدار لا مفر منها..

متى كانت آخر مرة خرج فيها الشارع اليمني ليطالب بحقوقه المدنية والاقتصادية والسياسية؟ متى كانت هناك حركة شعبية حقيقية ترفض الواقع المزر المفروض عليه؟ ما نراه اليوم هو استسلام عام، وموت بطيء للضمير الجمعي..

وماذا بعد؟ هل يمكن أن ينهض اليمن؟

نعم، ولكن البداية ليست في انتظار مبادرة دولية جديدة، ولا في تعيين مبعوث أممي آخر، ولا في فتح باب المساعدات، البداية هي في استعادة الشعب اليمني لوعيه بذاته، في أن يعرف أنه شعب عظيم، وبلد عظيم، لا يستحق ما يحدث له، أن يدرك أن نجاته لا تكون إلا من داخله، وأن كل تغيير يبدأ أولا من الإيمان بقيمته وقيمة بلده..

فإذا لم يحدث هذا التحول في الوعي، سيظل اليمن يراوح مكانه، وسنظل نتحدث عن “موته” كما نتحدث عن الماضي، لا عن المستقبل..

تعليقات