منبر حر لكل اليمنيين

أحمد علي عبدالله صالح.. بين إرث الجمهورية وخوف الميليشيا

صادق الحكيم

تشهد الساحة اليمنية تحولات دقيقة في موازين القوى، تفرض إعادة قراءة الوجوه القادرة على إحداث تغيير حقيقي في معركة استعادة الدولة. وفي هذا السياق، يبرز اسم أحمد علي عبدالله صالح كأحد الشخصيات القليلة التي لا تزال تحتفظ برمزية عسكرية وسياسية مرتبطة بجمهورية ما قبل الانقلاب، وبمشروع الدولة الوطنية التي دمّرها تحالف الميليشيات والفساد والسلاح الخارج عن المؤسسات.

أولًا: عناصر القوة في مشروع أحمد علي

يمتلك أحمد علي رصيدًا استثنائيًا يتجاوز البُعد الوراثي، فهو يمثل جسرًا بين المؤسسة العسكرية الاحترافية القديمة، وقواعد شعبية واسعة ترفض الدولة الطائفية وتسعى لعودة النظام الجمهوري.

تمتد شبكة نفوذه الاجتماعي والسياسي داخل بنية حزب المؤتمر الشعبي العام، وفي أوساط القبائل والضباط السابقين، الذين ما زالوا يرون فيه امتدادًا لمشروع وطني لم يُمنح الفرصة الكاملة.

رغم سنوات الغياب، حافظ على صورة سياسية متزنة وغير صدامية، بعيدًا عن التجاذبات والمزايدات، مما أكسبه قابلية لدى شريحة واسعة من اليمنيين الذين ضاقوا ذرعًا بالانقسامات.

إضافة إلى ذلك، فإن حضوره في المشهد يلقى قبولًا نسبيًا على المستوى الإقليمي والدولي، باعتباره خيارًا توافقيًا غير ملوث بصراعات الحرب، ولا مُحسوبًا على مشاريع التقسيم أو الهيمنة.

ثانيًا: دوافع الخوف الحوثي من ظهوره

تُدرك ميليشيا الحوثي أن بروز أحمد علي كمنافس محتمل لا يتعلق بشخصه فقط، بل بما يمثله من عودة محتملة للهوية الوطنية الجمهورية، وانبعاث لخطاب الدولة مقابل مشروع السلالة.

يمثل تهديدًا مباشرًا لبنيتهم العقائدية، إذ ينقضّ على الأساس الذي شرعنوا من خلاله الانقلاب والسيطرة، ويفضح تهافت خطاب “تصدير الثورة الايرانية ” الطائفية.

تمتلك الميليشيا معلومات كافية عن شبكة الضباط والقيادات المدنية والعسكرية التي ما زالت تدين بالولاء لمشروع الحرس الجمهوري، وترى في أحمد علي رمزًا قابلاً لإعادة تجميع الصف الوطني تحت رايته.

تعيش الجماعة حالة ذعر سياسي من احتمال الدفع به ضمن أي تسوية قادمة، لذلك سارعت إلى إصدار حكم غيابي بالإعدام ومصادرة ممتلكاته، في محاولة لقطع الطريق على عودته وإسقاطه قانونيًا ومعنويًا أمام جمهوره.

ثالثًا: الحُكم الحوثي الأخير.. رسالة خوف لا قوة

قرار المحكمة الحوثية بإعدام أحمد علي، رغم أنه فارغ قانونيًا ويستند إلى محكمة غير معترف بها، يحمل دلالات سياسية خطيرة:

محاولة لعزله من المعادلة الوطنية، عبر خلق مناخ قانوني يُعطّل أي جهود لتقريبه أو إعادة تأهيله.

إشارة تحذير لمؤيدي أحمد علي في الداخل، خاصة داخل المؤسسات المنهارة التي لا تزال تخضع لنفوذ مؤتمري.

استباقٌ لتحولات قادمة قد تشهد الدفع بشخصيات ذات قبول شعبي وسياسي لقيادة مرحلة إنقاذ، في ظل انهيار الشرعيات المتصارعة.

رابعًا: ما الذي يجعل أحمد علي خيارًا ممكنًا؟

في لحظة تعقيد غير مسبوقة، وانهيار أدوات الدولة والشرعية، يظل أحمد علي أحد الأسماء القليلة التي تستطيع، إذا تحركت بذكاء، أن تُعيد تجميع شتات القوى الجمهورية:

لديه رصيد من الانضباط والاحتراف العسكري الذي تفتقر إليه معظم القوى الفاعلة اليوم.

لم يتورط في حرب أهلية، ولا في فساد المرحلة الانتقالية، ما يجعله مرشحًا محايدًا نسبيًا قادرًا على قيادة مسار وطني جامع.

يمثل وجهاً مقبولًا لدى أطراف دولية فاعلة، تبحث عن خيار يضمن الاستقرار دون انزلاق نحو تقسيم أو صوملة.

خامسًا: التحدي الحقيقي.. المبادرة لا الانتظار

رغم كل ما يملكه من أوراق، فإن أحمد علي يقف اليوم أمام خيار واحد. أن يتحول إلى رقم فاعل في معادلة استعادة الدولة،

المطلوب:

تحرك سياسي منظم يتجاوز الدائرة الضيقة، نحو مشروع جمهوري وطني واضح.

تحالف مع القوى المقاومة للميليشيا خارج شبكات الفساد التقليدية.

انفتاح على الجبهات المدنية والعسكرية التي ظلت تقاتل دون غطاء سياسي.

خاتمة

ما تخشاه ميليشيا الحوثي ليس أحمد علي كشخص، بل ما قد يُمثله إذا قرر خوض معركة الجمهورية فعليًا. فمشروع استعادة الدولة يحتاج إلى قادة يملكون الشرعية الشعبية والتاريخية، والقدرة على لمّ الشتات الوطني، وخلق مركز ثقل ميداني يواجه مشروع السلالة ويُنهي مرحلة الحرب العبثية. السؤال لم يعد: هل يستطيع أحمد علي؟ بل: متى يقرر أن يفعل؟

 

تعليقات