صالح.. رجل فاضت به البلاد ولم تحتمله الجغرافيا
شاهدت الفيلم الوثائقي عن الأيام الأخيرة في حياة صالح.. فبدا لي _ في عيون الصدق_ مجحفاً في روايته، مبتوراً في عدالته.. اجتزأ من الحقيقة ما يرضي الرواية الواحدة.. وطمس ما تبقى من ملامح وطنٍ تكسرت فيه المرايا وتجاذبته ذاكرات متناحرة.
علي عبدالله صالح…
الرئيس الذي خرج من قلب اليمن، من وجعها وصبرها ودهائها وتمردها .. صدقوني، ليس ترفاً أن نكتب عنه .. إنما محاولة إنصافٍ لرجلٍ فاضت به البلاد ولم تحتمله الجغرافيا.
قد يظن البعض أنني هنا لأرثي رجلاً، ومن ظن ذلك فهو واهم، إنني في الحقيقة، أحاول عبثاً أن أستعيد ظل وطنٍ كان هو سقفه وقرآنه المدني، ورايته إذا نكست الأعلام .. فلم يكن نبياً، لكنه في هذا العصر كان أقربهم إلى صدق الرسالة، رسالة الجمهورية، ونبوءة الوحدة والكرامة والقرار الوطني المستقل.
” صالح ” الرجل الذي عاش كل تفاصيل البلاد؛ البلاد كلها، من مجلس القبيلة إلى أروقة الدولة.. من البندقية الأولى إلى توقيع الوحدة، حتى وقف وحيداً في نهاية النزال، فارساً ترجل وهو يرفع بندقيته ورأسه معاً.
ومنذ غاب عنا، تشظى كل شيء .. تمزقت الدولة، وضاعت البوصلة .. صرنا تائهين بلا أرض بلا وطن بلا جغرافيا، بلا مأوى بلا ملجأ .. كأن الرجل حين رحل، أخذ معه مفاتيح المعادلة كلها.
فأي ذاكرةٍ تسعك أيها الزعيم؟
وأي كتاب تاريخ يمكن أن يختزل دهاءك، حضورك، صلابتك، ورحيلك النبيل؟
فسلامٌ على دمك الذي سال ليبقى الوطن، فسال الوطن بعدك.