في لحظة فارقة جاء فيلم وثائقي يظهر فيه مدين علي عبدالله صالح أعاد للذاكرة اليمنية مشاهد كانت مطمورة تحت ركام الخوف واليأس وأيقظ في القلوب نارا كادت أن تنطفئ فيلم أعادنا إلى الأيام الأخيرة من حياة زعيم اليمن التاريخي علي عبدالله صالح ورفيقه الوفي عارف الزوكا اللذين واجها الموت ببطولة أسطورية وارتقيا شهداء وهم يقاتلون من أجل كرامة الوطن وجمهوريته.
لقد أعاد مدين الذاكرة لشعب كاد أن ينسى من هم أبطاله الحقيقيون ومن الذي خانهم أعاد الوجوه والأصوات والمواقف كشف ما حاولت ميليشيات الحوثي طمسه وأخرج إلى النور حقائق لطالما حاول تجار الكراهية دفنها لم يكن الفيلم وضهور مدين نجل الرئيس علي عبدالله صالح فيه مجرد عرض وثائقي بل كان صفعة مدوية على وجه النسيان وجرس إنذار في صدر كل يمني حر.
رجل واجه الحروب والمؤامرات وبنى دولة من تحت الركام وانتقل باليمن من صراعات الماضي إلى آفاق الجمهورية كان الزعيم الذي يعرف اليمني في أقصى صعدة كما يعرفه في المهرة رجل صنع معادلة الحكم والحياة وخاطب الجميع بلغتهم من قبائل الشمال إلى شواطئ الجنوب.
سقط صالح لكنه لم يسقط كالهاربين أو الخائفين بل سقط شهيدا وهو يواجه ميليشيا الحوثي بالسلاح والكلمة والموقف رفض الخنوع وقال في لحظاته الأخيرة لا يمكن أن يحكم اليمن عصابة فكان صوته آخر ما سمعه اليمنيون من قلب العاصمة صنعاء صوت من رفض بيعها لملالي طهران.
لم يكن وحده كان بجانبه رفيق دربه الرجل الجنوبي الذي كسر كل الحواجز والمناطقية الشهيد عارف الزوكا الذي بقي مع الزعيم حتى آخر رمق متحديا رصاص الغدر ومقدما درسا خالدا في الوفاء لم يكن عارف تابعا بل كان شريك القرار وظل الموقف وصوت الشجاعة.
عرضة في هذا التوقيت لم يكن حدثا عابرا بل لحظة استيقاظ حقيقية لضمير اليمن حيث تحركت مشاعر ملايين اليمنيين الذين ربما كانوا في سبات أو صمت فجأة عاد الزعيم إلى الواجهة لا من بوابة السياسة بل من بوابة الوجدان والدم عاد بطلا شهيدا وعاد الناس يستذكرون ماذا فعل الحوثيون وماذا قدم صالح لليمن.
لقد أحيا مدين علي عبدالله صالح في قلوب الناس مشاعر الغضب وأوقد نيران الثأر وذكر الجميع بأن هناك زعيما قتل غدرا ورجلا دفن بكرامة وشعبا لا يزال جريحا
لقد كان عرض الفلم في هذا التوقيت من وجهة نظري هو تذكير بأن اليمن ما زال حزينا على صالح والزوكا وأن القضية لم تغلق والثأر لم يؤخذ والعدالة لم تتحقق لقد أوجع الحوثيون هذا الشعب وقتلوا زعيمه واحتلوا عاصمته ودنسوا كرامته لكنهم لم يستطيعوا أن يقتلوا الروح التي بثها صالح في قلوب رجاله وشعبه.
ربما يصمت اليمني وربما ينشغل بلقمة العيش أو يبحث عن الأمان لكنه لا ينسى والفيلم هذا أعاد للأذهان حقيقة أن من واجه الحوثيين أولا كان علي عبدالله صالح وأن من أشعل جذوة الثورة الحقيقية ضد الإمامة في نسختها الحديثة كان هو ومن شاهد شعر أن المعركة لم تنته بل بدأت من جديد أن هذه الدماء الطاهرة لن تضيع وأن صنعاء ستعود واليمن سيستعيد جمهوريته والحوثيون سيدفعون الثمن طال الزمن أو قصر.
لم يكن تواجد مدين وعوض الزوكا في الفلم مجرد سرد لمأساة بل كانت وصية وطنية أن لا تنسوا صالح لا تنسوا الزوكا لا تنسوا من قتلهما ولا تسامحوا من فرط بالجمهورية لقد أعاد الفيلم الصوت والذاكرة والصورة والآن الكرة في ملعب الشعب.
اليمن لن يحكم من الكهف وصوت الزعيم لا يزال يهدر في صدور الأحرار ..