في برنامجه المميز “على طريق السياسة” يستضيف الأستاذ الجمهوري عارف الصرمي الصحفي البطل والمناضل الأستاذ عبدالخالق عمران في حوار يعد من أهم الحوارات التي ينبغي الإصغاء إليها بعناية فائقة ليس فقط لفهم الواقع اليمني بل لاكتشاف الكيفية التي تنظر بها ميليشيات الحوثي إلى الإنسان اليمني لا سيما حين يكون هذا الإنسان كاتبا أو أكاديميا أو صحفيا..
في معرض حديثه عن نظرة ميليشيا الحوثي إلى الإعلام يستعيد الأستاذ عبدالخالق عبارة تكررت على مسامعه ومسامع أخي الصحفي توفيق وعدد من زملائهم المختطفين “لن يُسكت الإعلام إلا الإعدام” عبارة موجزة تختصر المنهجية الوحشية التي تنتهجها الميليشيا تجاه كل من يمتلك صوتا مختلفا، أو حتى محايدا، بنظر الحوثي الرجعي لم يعد الرأي المختلف خصومة فكرية بل صار جريمة تستوجب الإبادة.
وعن سبب هذا الكم الهائل من الاختطافات أوضح عمران أن ما يجري ليس مجرد قمع عشوائي، بل “عملية منظمة لإعادة فرز المجتمع وفق تصور عبودي ينسف البنية المدنية الحديثة ويتناسب مع مشروعها” فالميليشيا الحوثية الإرهابية لا تعترف بتمايز الناس على أساس الكفاءة أو المعرفة بل تقسمهم إلى “أسياد وعبيد”، “قناديل وزنابيل”، “هواشم وقبائل” إنها رؤية سلالية ترفض أن ترى في المواطن دكتور أو مهندس أو كاتب، وإنما تصر على أن تراه تابعا أو تابعا..
من المجرم الإرهابي عبدالملك الحوثي رمز الخطاب الدموي، مروراً بالإرهابي عبدالقادر المرتضى وجه التفاوض الناعم الملطخ بدماء الأبرياء، وحتى أصغر جلاد يتلذذ بإهانة المختطفين تتجسد هذه المنظومة كجدار واحد من القسوة هدفه الوحيد سحق الإنسان الحر لا كجسد فقط، بل كقيمة ومعنى.
ومع كل هذا، فإن وعي المختطفين لم يتزحزح رغم محاولات مليشيا الحوثي عمل غسيل دماغ للمختطفين وهي تقدم لهم دورسا يومية مكثفة عن الإرهابي عبدالملك الحوثي محاوِلةً إقناعهم بأنه رسول هذا الزمان، ولكن آنى لها ذلك مهما ابتكرت من أساليب التوحش والإجرام، بل أن المختطفين رغم أنهم فقدوا حريتهم ظلوا كما قال الصحفي عبدالخالق عمران “لم يفقدوا كرامتهم وانتماءهم اليمني الكبير وواجهوا جبروت وطغيان جلاوزة السلالة بكل شموخ وإباء”.

في الجانب الآخر يعبر الأستاذ عبدالخالق عن أسفه الشديد من ضعف الأداء القضائي المحلي، وغياب إرادة حقيقية في ملاحقة المجرمين أو إنشاء محاكم خاصة بملف المختطفين بل حتى أن التوجيهات الرئاسية لم تترجم إلى فعل، وشخصياً أرى أن بعض مواقف الحكومة الشرعية بدت أقرب إلى التواطؤ منها إلى التقصير، وكأنها تخون اللحظة التاريخية والتضحيات التي كان يفترض أن تنهض بها.
إن للتاريخ دورات ولكل خرافة نهاية وبهذا الصدد اقتبس جزء من كلام الأستاذ عبدالخالق “علمنا التاريخ أن الجماعات التي بدأت حكمها بالسجون تنتهي داخلها، وأن الشعوب تصبر ثم تثور والشعب اليمني أثبت انه في كل مراحله قادراً على المقاومة والانتصار وستكون الكلمة الأخيرة له”.
هذا الحوار ليس مجرد لقاء إعلامي، بل وثيقة تاريخية يجب أن تحتفظ بها الأجيال حتى لا تضيع الحقيقة في ضجيج التسويات السياسية… حتى لا يعاد إنتاج المجرم في ثوب الضحية، وحتى لا يتم استقبال القاتل في عواصم العالم ك”حمامة سلام” بينما الدم مازال ينزف في أقبية السجون، وكما تحدث البطل المناضل عبدالخالق
“لا سلام بلا عدالة انتقالية، ولا عدالة انتقالية دون محاسبة المجرمين”.
- من صفحة الكاتب في فيس بوك.