لقد أفقنا على هذه الدنيا ونحن نرى شمسًا واحدة لا شمس غيرها، هي شمس الوحدة التي تشرق على وطني شمالًا وجنوبًا. لقد أفقنا على هذه الدنيا بنشيد وطني واحد، ورئيس واحد، وحكومة واحدة. تعلمت في المدرسة منذ أول خطوة، وأنا على عتبة الباب، وأنا أرى هناك منصة للمدرسة، عليها يُردد النشيد الوطني بكل وطنية وشغف وحب من قبل الزملاء الطلاب. وبعد الانتهاء، صوت عالٍ تهتز له المدرسة، بل الحي بأكمله، تحت سماء هذا الوطن: “رفرف عزيزًا يا علم الله، الوطن، الثورة، الوحدة، تحيا الجمهورية اليمنية”.
التفتُّ لأرى علمًا واحدًا يرفرف عاليًا بكل شموخ، له ثلاثة ألوان: الأحمر، والأبيض، والأسود. تعلمت في أيامي الأولى في المدرسة أن اللون الأحمر يرمز لدماء الشهداء التي بُذلت في سبيل هذا الوطن الواحد، وأن اللون الأبيض يرمز لدولة السلام الواحدة، واللون الأسود يرمز للخراب وزمن الجهل والظلام، والفرقة، حتى لا يأتي يوم وننسى ما حل بوطننا في الماضي.
لقد رأيت في تلك الأيام، أيام مايو العظيمة، كيف يُمنع حمل السلاح في المدن والدوائر الحكومية. رأيت جيشًا واحدًا يحمل على كتفه علمًا واحدًا وعبئًا يقسم به أن يحمي هذا الوطن. رأيت مسؤولين كان قسمهم أن الوطن أولًا.
رأيت نظامًا مطبقًا على الجميع، لم يفرّق بين محافظة وأخرى، ولم أُسأل يومًا من أين أنت، أو هل أنت تتبع حزب كذا. لم نعرف هذه المسميات، ولا حتى معانيها.
لقد كنت أرى دولة عظيمة لها احترامها بين بقية الدول، رؤساء وسفراء وحكومات يحسبون لليمن كل حساب.
لذلك، لا نُلام في حب 22 مايو.
واليوم، ماذا بعد مايو العظيم؟ ماذا بعد هذا كله؟ لنبدأ من راية الوطن أولًا، راية الوطن الواحد التي كنا نراها في مايو. لقد مُزّقت ورفعت رايات متعددة أخرى بألوان مختلفة. أصبح علم الوحدة شبهة ويتجنبه الكثير خوفًا على مصلحتهم. أصبح النشيد الوطني لدينا مجموعة من الأناشيد، لم يعد نشيدًا واحدًا، وكأنه ألبوم ليس له معنى وطني.
في المدارس، أصبح ترديد النشيد عنصرية، وشبهة، وتحية العلم والوحدة والثورة والوطن تخريبًا بل يجب استبدالها بصرخات ونواحات لا نعرفها لا نحن ولا المنطق، بل أن الشعارات الوطنية قد تثير حفيظة الآخرين. فالسماء قد تغيرت ألوانها، ولم تعد لنا سماء واحدة، بل لنا سماوات عديدة.
لم نعد نتعلم ماذا يرمز له علمنا هذا، فقد مزقته الحروب والفتن، وغيرت ألوانه. أصبحت ألوانه باهتة، لم نعد نستطيع أن نعرف اللون الأحمر من الأسود، أما الأبيض فقد محته نار الحرب والدمار، فلم يعد هناك سلام ليبقى الأبيض رمزًا للسلام.
اليوم، أصبح لدينا مجموعة من الرؤساء، والمصيبة أنهم لا يسمنون ولا يغنون من جوع، كما قيل في المثل اليمني: “إذا كثر الطباخين خرب المرق”. لم يعد هناك جيش، لم يعد هناك لا أمن ولا أمان. أصبح قسم الموظف والمسؤول بأن السرقة والفساد ونهب الأموال العامة أولًا قبل الوطن.
في كل مكان يُوجَّه إليّ سؤال: من أي محافظة أنت؟ من صعدة؟ أنت حوثي. من البيضاء؟ أنت داعشي من القاعدة. من عدن؟ أنت جنوبي انفصالي. من المهرة؟ لا، أنت تتبع عمان. من حضرموت؟ أنت تتبع السعودية. والكثير الكثير من الحسابات والتصنيفات العديدة التي أصبحت عنوان كل لقاء او اجتماع أو حتى نقطة أمنية.
اليوم، نحن لم نعد تحت مظلة دولة واحدة، فلا يوجد مسؤولون وطنيون، ولا سيادة لنا، ولا احترام، ولا قوة، ولا قدرة، ولا أمن وطني. أصبحنا مجرد ساحة لتصفية حسابات المنطقة، والتسابق لمن يستحوذ على ثرواتنا ومقدراتنا وثقافاتنا وتراثنا وتاريخنا.
فلا نُلام في 22 مايو، وفي الدفاع عن مايو، وفي حلمنا بأن نعود لتلك الأيام العظيمة.
ختاماً رغم كل التحديات التي تواجه وطننا اليوم، يظل الأمل في قلوبنا بأن يعود اليمن كما كان، موحدًا، آمنًا، ومستقرًا. فالوحدة التي تحققت في 22 مايو ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي رمز لتطلعات شعب بأكمله نحو مستقبل أفضل. فلنحافظ على هذا الإرث العظيم، ولنعمل جميعًا من أجل يمن واحد، يسوده السلام والعدالة والمساواة.
*طالب بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية.