منبر حر لكل اليمنيين

حين لامس الخلاف عصب الأمن القومي: قراءة في البيان السعودي وسقف الصبر مع الإمارات

د. عادل الشجاع

د. عادل الشجاع::

ظلت العلاقة السعودية–الإماراتية، لسنوات، تقدم بوصفها نموذجا للتوافق الاستراتيجي داخل مجلس التعاون الخليجي، خصوصا في الملف اليمني، غير أن هذا التوافق لم يكن يوما كاملا أو خاليا من التباينات العميقة، بل كان محكوما بسقف عال من الصمت السعودي، تجنبا لتفجير الخلاف إلى العلن، وحرصا على تماسك الجبهة الإقليمية، لكن البيان الأخير لوزارة الخارجية السعودية شكل لحظة كاشفة، لا يمكن قراءتها إلا بوصفها إعلانا غير مباشر عن وصول الخلاف مع الإمارات إلى منطقة تمس الأمن القومي السعودي نفسه..

هذا التباين ظل مدارا خلف الكواليس، إلى أن تجاوز –من وجهة النظر السعودية– حدود “الاختلاف المقبول، ليتحول إلى تقويض مباشر لسلطة الدولة اليمنية التي تقول الرياض إنها تدعمها، وإلى خلق كيانات عسكرية وأمنية لا تدين بالولاء لمؤسسات الشرعية، وهو ما عبر عنه البيان السعودي بلغة غير دبلوماسية، بل كانت رسالة سياسية حادة، مفادها أن الصبر السعودي بلغ منتهاه..

 

القضية الجنوبية: بين الاعتراف الملتبس والفخ السياسي

في خضم هذا التصعيد، أعادت الخارجية السعودية التأكيد على أن القضية الجنوبية قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، لكنها في الوقت ذاته حصرتها في إطار الحوار والحل السياسي الشامل، وهنا تحديدا يكمن الفخ السياسي!.

والسؤال الموجه للمملكة مالذي تبقى اليوم من القضية الجنوبية خارج إطار ما يطرحه المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيسه عيدروس الزبيدي؟
لم تعد هناك قضية تهميش سياسي، بعد أن أقر مبدأ المناصفة منذ مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وتمت ترجمته لاحقا في مجلس القيادة الرئاسي، وفي تشكيل الحكومة نفسها، ولم تعد هناك قضية إقصاء إداري أو اقتصادي، وقد أصبح الجنوب شريكا متساويا –نظريا وعمليا– في السلطة..

إذن، جوهر القضية الجنوبية اليوم هو قضية سياسية واحدة فقط: إما حق تقرير المصير والانفصال، كما يطرحها المجلس الانتقالي بوضوح، أو لم تعد هناك قضية جنوبية في الأصل بقدر ما هي قضية اليمن ككل الذي اختطفت دولته وإرادة شعبه لا كما تعاد صياغتها دبلوماسيا لتصبح قضية مطالب عامة أو مظلومية رمادية!.

إن الإصرار السعودي على توصيف القضية الجنوبية بوصفها عادلة دون الاعتراف بسقفها السياسي الحقيقي، لا يحل المشكلة، بل يبقيها معلقة، وقابلة للانفجار في كل مرحلة، والأسوأ من ذلك، أنه يفتح الباب لاتخاذ إجراءات ضد المجلس الانتقالي –كما يحدث في حضرموت– تحت ذريعة “حماية الشرعية”، بينما يتم في الواقع الاعتراف بالقضية التي يرفعها..

 

حضرموت: اختبار النوايا لا الشعارات

ما يجري في حضرموت ليس تفصيلا هامشيا، بل هو اختبار حقيقي لموقف السعودية من اليمن، فإذا كانت ترى أن القضية الجنوبية عادلة، فكيف يمكن تبرير سياسات تقصي المجلس الانتقالي، وتمنع تمدده السياسي والأمني، وتتعامل معه بوصفه تهديدا لا شريكا؟
أما إذا كانت السعودية ترفض مشروع الانفصال صراحة، فالأجدر بها أن تقول ذلك بوضوح، لا أن تبقي نفسها في منطقة رمادية تنتج صدامات جديدة، وتغذي التناقض مع حلفائها قبل خصومها؟.

 

خلاصة القول

البيان السعودي الأخير لا يعبر فقط عن توتر مع الإمارات، بل عن مأزق سعودي أعمق في إدارة الملف اليمني فإما أن تتجاوز المملكة فخ القضية الجنوبية، بصيغتها المعلقة، وتنتقل إلى حسم سياسي واضح، أو أن تعترف بأن القضية الجنوبية –كما يطرحها عيدروس الزبيدي– هي جوهر الصراع، وما عدا ذلك مجرد تدوير لغوي للأزمة..

أما الاستمرار في إنكار هذه الحقيقة، مع اتخاذ إجراءات ميدانية ضد المجلس الانتقالي، فلن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام، وإضعاف ما تبقى من مشروع الاستقرار الذي تقول المملكة إنها تحرص عليه..

تعليقات