منبر حر لكل اليمنيين

تفتيت اليمن… حلٌ سهل لأزمة معقدة وهل هو مخرج سياسي ام مأزق استراتيجي

أحمد محمد لقمان

أحمد محمد لقمان::

في لحظات الانهاك السياسي، تميل الدول والمجتمعات إلى البحث عن حلول سريعة لأزمات عميقة. وفي الحالة اليمنية، يبرز خيار تفتيت اليمن بوصفه مخرجًا عمليًا من حرب طويلة، وفشلٍ سياسي، وتعقيدٍ إقليمي. لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح بوضوح:
هل التفتيت حل حقيقي، أم مجرد إعادة إنتاج للأزمة بشكل أخطر؟

اليمن اليوم يعاني من انهيار الدولة، لا من فائض وحدتها. الخلط بين الأمرين هو الخطأ الجوهري في الدعوة إلى التقسيم. فالدولة اليمنية فشلت في إدارة التنوع، وتوزيع السلطة والثروة، وفرض سيادة القانون، لكن هذا الفشل لا يعني أن الحل هو تفكيك الكيان، بل إعادة بنائه على أسس مختلفة.

القول إن كيانات أصغر ستكون أكثر استقرارًا يتجاهل واقع أن هذه الكيانات ستولد ضعيفة، بلا مؤسسات راسخة، وبلا اقتصاد قادر على الاستمرار. الأسوأ من ذلك، أنها ستنشأ في بيئة مشبعة بالسلاح، والانقسامات، والولاءات الخارجية، ما يجعل الصراع بين “دول” صغيرة أقرب وأخطر من صراع داخلي يمكن احتواؤه.

من منظور المواطن اليمني، لا يبدو التفتيت خيارًا منقذًا. بل يعني حدودًا جديدة، عملات متعددة، سلطات متنازعة، واقتصادات محلية عاجزة عن توفير أبسط الخدمات. وسيكون المواطن – مرة أخرى – هو الخاسر الأول، في ظل غياب دولة قادرة على الحماية والتنمية.

أما على المستوى الإقليمي، فإن الاعتقاد بأن يمنًا مجزأً سيكون أقل تهديدًا للخليج هو قراءة قصيرة النظر. اليمن ليس جارًا عاديًا؛ موقعه الجغرافي يجعله عنصرًا أساسيًا في أمن البحر الأحمر وباب المندب، وهشاشته تعني فتح المجال أمام صراعات بالوكالة وتدخلات إقليمية ودولية لا يمكن ضبطها.

التاريخ القريب في المنطقة يثبت أن الدول المنهارة لا تبقى داخل حدودها، وأن الفوضى لا تعترف بالجغرافيا. يمن ضعيف ومفكك سيحوّل دول الجوار من شركاء محتملين إلى أطراف إدارة أزمة دائمة، واستنزاف سياسي وأمني طويل الأمد.

البديل الواقعي لا يكمن في العودة إلى دولة مركزية خانقة، ولا في تقسيم البلاد، بل في صيغة حكم لا مركزي حقيقية، تعترف بالتنوع، وتوزع السلطة بعدالة، وتحافظ في الوقت ذاته على كيان سيادي واحد. دولة موحدة بصلاحيات محلية واسعة، قادرة على الشراكة مع محيطها الخليجي بدل أن تكون عبئًا عليه.

تفتيت اليمن قد يبدو حلاً سهلًا، لكنه في جوهره تأجيل للصراع لا إنهاؤه. أما الحل الصعب – إعادة بناء الدولة على أسس جديدة – فهو وحده القادر على تحقيق استقرار حقيقي لليمن، وأمن مستدام للمنطقة.

في السياسة، ليست كل الحلول الممكنة حلولًا صحيحة. وأحيانًا، يكون أخطر ما نفعله هو اختيار الأسهل.

تعليقات