منبر حر لكل اليمنيين

بيان قيادات المؤتمر في الخارج… خطاب إنقاذ في لحظة وطنية حرجة

د/ جمال الحميري

د/ جمال الحميري:::

جاء البيان الصادر عن قيادات المؤتمر الشعبي العام في الخارج ليعبّر عن قلق وطني مشروع إزاء التطورات المتسارعة والخطيرة التي تشهدها المحافظات الجنوبية والشرقية، وفي توقيت بالغ الحساسية، تمر فيه البلاد بمنعطف سياسي وأمني يهدد ما تبقى من تماسك الدولة ووحدة الصف الوطني.

البيان، في مجمله، لا يمكن قراءته بوصفه موقفاً حزبياً ضيقاً، بل كـ نداء سياسي مسؤول يسعى إلى إعادة توجيه البوصلة الوطنية نحو الخطر الحقيقي، المتمثل في الانقلاب الحوثي، محذّراً من أن الانشغال بصراعات جانبية أو خطوات انفرادية لا يخدم سوى مشروع الانقلاب، ويعمّق حالة التشظي والإنهاك الوطني.

أبرز ما يميز البيان هو وضوح خطابه وتماسك أولوياته؛ إذ يضع المصلحة الوطنية العليا في صدارة المشهد، ويطالب كافة القوى والمكونات السياسية والاجتماعية بتحمل مسؤولياتها دون تبرير أو تقاعس، في لحظة لا تحتمل المناورة أو الحسابات الضيقة. وهو خطاب يعكس إدراكاً دقيقاً لطبيعة المرحلة، ويؤكد أن أي إخفاق في إدارة هذه اللحظة قد تكون كلفته باهظة على حاضر اليمن ومستقبله.

وفي تأكيده الراسخ على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه كثوابت وطنية غير قابلة للمساومة، يبعث البيان برسالة واضحة بأن معالجة القضايا الوطنية، وفي مقدمتها القضية الجنوبية، لا يمكن أن تتم عبر فرض الأمر الواقع أو استغلال ظروف الحرب، بل من خلال التوافق والحوار في ظل دولة جامعة، وبعد زوال الخطر المشترك. وهي رسالة تتسم بالاتزان، وتوازن بين احترام الحقوق والتحذير من مغبة توظيفها في غير سياقها الوطني.

كما يلفت البيان الأنظار إلى مسؤولية مجلس القيادة الرئاسي، ليس من باب التصعيد، وإنما من باب التوصيف السياسي المسؤول، حين يشير إلى حالة التماهي أو التراخي في مواجهة بعض النزعات والممارسات، وعدم الحسم في تنفيذ الاتفاقات المنظمة للعلاقة بين الأطراف. وهي ملاحظة تعكس قلقاً مشروعاً من فراغ القيادة، وتداعيات غياب الدور الجامع للدولة في لحظات الأزمات.

ويحمل البيان بعداً تصالحياً واضحاً، من خلال دعوته المتكررة إلى ضبط النفس، وتغليب لغة الحوار، والابتعاد عن الخطاب التحريضي والتراشق الإعلامي، إدراكاً منه بأن المعارك البينية لا تنتج حلولاً، بل تفتح أبواباً جديدة للفوضى والانقسام، وتُضعف الجبهة الوطنية في مواجهة العدو المشترك.

وفي بعده الحقوقي، يشدد البيان على ضرورة تخفيف القيود المفروضة على المواطنين، وصون حرية الرأي والتعبير، باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من معركة استعادة الدولة، ورسالة مهمة تؤكد أن المشروع الوطني لا يكتمل دون احترام الحقوق والحريات، ورفض سياسات القمع والتجويع والكبت.

أما خاتمة البيان، بدعوته إلى مشروع إنقاذ وطني جامع، فهي تمثل خلاصة سياسية ناضجة، تتجاوز تشخيص الأزمة إلى طرح أفق للحل، قائم على الشراكة والمسؤولية الوطنية، واستعادة الدولة، وتخفيف معاناة المواطنين، وبناء مستقبل آمن ومستقر يتسع للجميع.

في المحصلة، يمكن القول إن بيان قيادات المؤتمر الشعبي العام في الخارج يمثل وثيقة سياسية متوازنة، تجمع بين التحذير والنصح، وبين الوضوح والتهدئة، وتؤكد أن إنقاذ اليمن يبدأ من توحيد الجهود، ورص الصفوف، وإعلاء الوطن فوق كل المشاريع والولاءات الضيقة.

تعليقات