منبر حر لكل اليمنيين

اليمن على شَفَا جُرُفٍ هارٍ – ١ (شرعية الدولة ووحدتها بين التآكل والسقوط)

إبراهيم الأهدل

إبراهيم الأهدل::

تمرّ اليمن بلحظة سياسية بالغة الحساسية، لم تعد فيها الأزمة محصورة في صراع على السلطة، بل باتت تمسّ جوهر الدولة نفسها. فالمعركة اليوم تدور حول بقاء الإطار السياسي الجامع، أو الانزلاق نحو تفريغه من مضمونه، في ظل ضعف الشرعية، وتعدد مراكز النفوذ، وتعارض المشاريع التي تتغذى على هشاشة الدولة أكثر مما تسعى إلى إنقاذها. وفي هذا السياق، قد لا تبدو الدولة خياراً مثالياً، لكنها تظل الخيار الوحيد الممكن في مواجهة الفوضى.

إن الشرعية، بصيغتها القائمة، تعاني ضعفاً بنيوياً في القرار والقدرة على فرض الهيبة، وهو خلل لا يمكن إنكاره أو القفز عليه. غير أن هذا الضعف، مهما بلغ، لا يسقط الشرعية كإطار سياسي جامع، ولا يبرر السعي إلى تجاوزها أو تفريغها لصالح سلطات الأمر الواقع. فإضعاف الشرعية لا يقود إلى بديل وطني أكثر كفاءة، بل يفتح المجال أمام منطق القوة والسلاح، ويعيد إنتاج اللادولة بأشكال مختلفة.

صحيح أنّ مجلس القيادة الرئاسي، بوصفه نتاج تسوية سياسية اضطرارية، لم يتمكن حتى الآن من تحويل التوافق إلى سلطة قرار موحدة. وقد انعكست التباينات الأيديولوجية والجهوية داخله على فاعلية الدولة ورمزيتها، وأضعفت قدرتها على توحيد المؤسسات، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية. ومع ذلك، فإن محدودية أداء المجلس أو عجزه لا يمنح أي طرف شرعية القفز فوق الدولة أو مصادرتها، لأن البديل في هذه الحالة لن يكون إلا فراغاً سيادياً بالغ الخطورة.

وفي الحقيقة أمام ذاك الضعف الداخلي، لا يمكن إعفاء التحالف العربي من جزء من المسؤولية، بوصفه فاعلاً مؤثراً في المشهد اليمني منذ سنوات. فغياب الضغط الجاد منه لإعادة توحيد القرار السياسي، والتراخي في فرض مسار واضح لبناء مؤسسات الدولة، ولا سيما المؤسسة العسكرية، أسهم في إطالة أمد التشرذم، وفتح المجال أمام قوى الأمر الواقع لتكريس نفوذها خارج إطار الدولة.

وبموازاة استهداف الشرعية، تتعرض الوحدة اليمنية لضغوط متزايدة عبر خطاب سياسي مدعوم بتحركات على الأرض تسوّق التفكيك بوصفه حلاً واقعياً للأزمة. غير أن هذا الطرح يتجاهل حقيقة جوهرية مفادها أن الوحدة لم تفشل بذاتها، بل فشل ممثلو الدولة في إدارتها بعدالة وكفاءة. كما أن الدفع نحو فك الارتباط في ظل حرب مفتوحة، ودولة منقوصة السيادة، ومؤسسات غير مكتملة، لا يمثل حلاً سياسياً، بل مقامرة تهدد بإعادة إنتاج الصراع على أسس أكثر تعقيداً وتشظّياً.

الأخطر في المشهد الراهن هو تزامن ضعف الشرعية مع تصاعد مشاريع التفكيك، وهو ما يترك اليمن بلا مظلة سياسية جامعة، وبلا مرجعية قادرة على ضبط التناقضات. لأنه في ظل غياب الدولة وانهيار رمزيتها، لا تنتصر القضايا، بل تنتصر موازين القوة، ولا تُحل المظالم، بل يُعاد تدويرها في صراعات مفتوحة. ولهذا، تظل الدولة، رغم هشاشتها، أقل كلفةً من بدائلها، وتبقى الوحدة، رغم اختلالاتها، أضمن من تشظٍّ بلا سقف أو أفق.

وما يجب التنويه إليه أنَّ الدفاع عن الدولة لا يعني بأي حال من الأحوال تبرئة السلطة من أخطائها وتبيض صفحتها، ولا تجميل الفشل القائم، بل يعني التمسك بالإطار الوحيد القابل للإصلاح. كما أن التمسك بالوحدة لا يعني إنكار المظالم، بل نقل معالجتها من منطق الكسر السياسي إلى منطق التسوية الوطنية، عبر شراكة حقيقية، ولا مركزية عادلة، وترتيبات سياسية واقتصادية تعالج جذور الأزمة لا أعراضها.

ختاماً، يقف اليمن اليوم أمام مفترق حاسم، يتآكل فيه كيان الدولة تحت ضغوط متعددة، ما يجعل الشرعية والوحدة في قلب الاستهداف لا على هامشه. ويوجب علينا بالتالي التشبث بالدولة، رغم هشاشتها، وهذا التمسك ليس دفاعاً عن واقع مأزوم أو ارتضاءً به، بل اختيار عقلاني يوجبه الحس الوطني لتفادي وتجنب السيناريو الأسوأ.

تعليقات