أحاول منذ سنوات الالتزام بعدم الخوض في قضية جنوب اليمن والتركيز في المعركة الفكرية ضد الحوثيين، بعدما وصلت إلى قناعة راسخة بأن مستقبل هذا الجزء الغالي وقراره بيد أبنائه سواء المطالبين بدولة الجنوب أو من يتمسكون بوحدة يمنية تضمن لهم حقوقهم.
لكن ما يثير القلق دائما هو تصاعد خطاب يسيء إلى كل من يواجه الحوثيين من الشماليين، ويصورهم في كثير من الأحيان بالعجز أو الفشل أو عدم الرغبة في تحرير بلادهم، بل ويذهب بعض هذا الخطاب للأسف إلى تبرير سيطرة الحوثيين على الشمال بالقول إنهم “أصحاب الحق” و”الأجدر بالحكم”..!!
هذا الخطاب لا يصدر غالبا عن أصوات فردية معزولة، بل نسمعه -بمستويات مختلفة- من شخصيات سياسية وإعلامية ودينية، وهو ما يجعله أكثر تأثيرا وانتشارا.. ولكل “ساقطة لاقطة” كما تقول العرب.
أؤمن بأن إخوتنا في المحافظات الجنوبية قادة وأبطال وأحرار، وقدموا تضحيات كبيرة لتحرير بلادهم ووقفوا بقوة في مواجهة الحوثيين، وهم في ذلك لا يختلفون عن اليمنيين في الشمال الذين واجهوا الحوثي منذ 2004، وقدموا التضحيات ودفعوا أثمانا باهظة في معارك طويلة سبقت الحرب الأخيرة بسنوات.
لكن أيضا ومن باب الإنصاف التاريخي، يجب التذكير بحقيقة يعرفها جميع من تتبع الأحداث في تلك المرحلة. لولا تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، لما تحررت عدن ولا بقية المحافظات الجنوبية. كما أن المنصفين يدركون أن القوات التي كانت تواجه الحوثيين في الشمال كانت قادرة على استكمال التقدم لولا الضغوط الدولية التي أوقفت العمليات عند مشارف صنعاء في نهم وقبالة ميناء الحديدة وفي محيط مناطق استراتيجية في صعدة وحجة والجوف والبيضاء.
يعرف العقلاء –أيضا- أن تكلفة وتضحيات تحرير المناطق الجبلية الوعرة تختلف كثيرا عن كلفة تحرير المناطق المنبسطة، وأن متغيرات إقليمية ودولية طرأت بعد تحرير بعض المحافظات الجنوبية والشمالية، وأنتجت واقعا جديدا عقد مسار العمليات العسكرية في الشمال والوسط خاصة بعدما كثفت بعض الدول العربية الغنية من دعمها للحوثيين إعلاميا وماليا وسياسيا في المحافل الدولية.
أوضح هذا الكلام دون أي انتقاص من تضحيات وبطولات أهلنا في الجنوب، وإنما لتفنيد مقولة تتداول كثيرا عن “ضعف الشماليين” أو “عدم رغبتهم في تحرير بلادهم”، وهي مقولة غير دقيقة، بل تحولت للأسف إلى رواية بدأت تجد طريقها حتى إلى بعض الأشقاء العرب.
صحيح أن الضغوط الدولية والصعوبات الجغرافية والمالية لا تعفي الشرعية من مسؤولياتها ولا تبرر التقصير، وهناك بلا شك أسباب أخرى ومختلفة أعاقت استكمال التحرير، لكن العامل الدولي يعتبر السبب الأبرز في تجميد المعركة في الشمال ولا ينكر هذه الحقيقة إلا جاهل أو يصر على عدم الإنصاف.
أضع هذا التوضيح بهدف إيقاف تداول هذه الصورة غير المنصفة، وتصحيح سردية بدأت تترسخ على حساب الحقيقة والتضحيات التي قدمها اليمنيون شمالا وجنوبا في مواجهة مشروع عنصري وإرهابي واحد.
ختاما.. مرفق بهذا النص لقطات من وثائقي بث على قناة بي بي سي عربية بتاريخ 27 يوليو 2015 بعنوان “قبل العاصفة… حلم اليمن الجنوبي”، وهو يؤكد بوضوح أن الحوثيين كانوا قد سيطروا على عدن والجنوب لولا تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
بروح الأخوة والمسؤولية، نتمنى عدم المزايدة على الشماليين وعدم تحميلهم وزر معركة معقدة تشابكت فيها العوامل المحلية والإقليمية والدولية.