حرب مدمرة لم تترك حجرًا على حجر، ولا إنسانًا إلا ونالته نارها، أو طاله وجعها، أو سحقته تبعاتها.
خلال هذه السنوات السوداء، قُتل مئات الآلاف من اليمنيين مدنيين وعسكريين، ولا يزال عداد القتل مستمرًا في الدوران. امتلأت المستشفيات بالجرحى والمعاقين، وتحولت المدن والقرى إلى مقابر مفتوحة. نزح وشُرّد داخل الوطن وخارجه ملايين المواطنين، وفقدوا منازلهم وأعمالهم وكرامتهم، وأصبحت الحياة اليومية معركة للبقاء.
وخلال هذه السنوات العجاف، تمّت ملاحقة واختطاف واعتقال عشرات الآلاف من المدنيين: سياسيين وإعلاميين وأكاديميين وأطباء وتربويين وموظفي منظمات إنسانية، وتجار، ومواطنين عاديين. زُجّ بهم في سجون ومعتقلات سرية وعلنية، مورست فيها أبشع أنواع التعذيب والجرائم الجسدية والنفسية، حتى فقد البعض أعضاء من أجسادهم، وقضى آخرون تحت وطأة العذاب.
وتدمّرت البنية التحتية، وتقسم الوطن، وضاعت مصادر الرزق، واختفت الخدمات الأساسية، وتحولت حياة اليمنيين إلى سلسلة متواصلة من المآسي والأزمات التي تتضاعف مع مرور الأيام وتعاقب السنين.
ورغم كل ذلك، ظل معظم الأشقاء العرب والمسلمين، ومعهم المجتمع الدولي، في حالة صمت مريب. لم يتحرك لهم ساكن، بل تجاوز بعضهم الصمت إلى المتاجرة بالقضية اليمنية، والاسترزاق من دماء اليمنيين، والاستثمار في دمار وطنهم وهلاك شعبهم.
لقد تلاشت لدى قيادات المجتمع الدولي كل معاني المسؤولية، وضاعت القيم الدينية والأخوية والقومية، وسقطت الأخلاقيات الإنسانية سقوطًا مدويًا. فكيف يقبلون أن تعيش أوطانهم في سلام وازدهار، بينما يُترك اليمن غارقًا في جحيم الحرب والخراب والتمزق والدمار؟
وكيف تطاوعهم ضمائرهم أن تنعم شعوبهم بالعدل والأمن والاستقرار، فيما يُترك اليمنيون يواجهون الموت والجوع والمرض والخوف، في واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العالم؟
إلى متى سيظل المجتمع الدولي عديم الإحساس؟ وإلى متى سيواصل المتاجرة بمعاناة وطن وشعب، لا ذنب له سوى أنه وُجد في موقع استراتيجي هام، ووسط عالم تحكمه المصالح، تغيب عنه العدالة، وتسيطر عليه وحوش الإجرام؟!.