إمبراطورية الظل.. كيف تُبنى دولة الإخوان من نفط مأرب وجبايات تعز؟
يمن المستقبل - خبر للأنباء
بينما يستمر الانقلاب الحوثي في فرض مشروعه التجويعي وصناعة الجهل والبؤس في حياة اليمنيين، ويرزح المواطن اليمني تحت وطأة أشد أزمة إنسانية في العالم وتتلاشى قيمة العملة الوطنية أمام ناظريه تبدو الصورة في الضفة الأخرى من المشهد مغايرة تماماً حيث تتشكل ملامح إمبراطورية مالية عابرة للحدود نمت وترعرعت على أنقاض الدولة ومؤسساتها.
نتحدث عن المنظومة المالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن، الذي نجح ببراعة في استغلال سنوات الحرب ليصنع لنفسه دولة داخل الدولة.
نستعرض في هذا التقرير بعض ملفات الفساد والتمكين وكيف تحولت موارد النفط والغاز والمنح الدولية وحتى جبايات النقاط العسكرية إلى وقود يغذي استثمارات الحزب في الخارج، بينما يُترك الداخل اليمني يواجه مصير الإفلاس والانهيار والمجاعة.
امتداد النفوذ واستراتيجية التجريف الممنهج
قبل أربعة أعوام بدأت التسريبات الأولى تكشف عن ملامح فساد مالي في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الإصلاح، لكن اليوم وفي عام 2025م يبدو أن تلك الأرقام لم تكن سوى المقبلات في مأدبة نهب كبرى.
إن ما كان يوصف قبل سنوات باختلالات إدارية استفحل اليوم ليصبح نهجاً مؤسسياً متجذراً، فإذا كانت التقارير السابقة قد فزعت من ضياع مئات المليارات، فإن الحال اليوم مع توسع منافذ النفوذ واستحواذ الحزب على معظم إيرادات المحافظات المحررة يشير إلى أننا أمام ثقب أسود يبتلع المليارات من الدولارات سنوياً.
لقد تعمق الاستغلال الإخواني لقطاع النفط والغاز، وتحولت المؤسسات الخدمية إلى إقطاعيات حزبية تدر الربح السريع في عملية استنزاف هي الأضخم في تاريخ اليمن الحديث، مما يجعل البحث في أرقام الماضي مجرد نافذة لفهم حجم الكارثة الحالية التي أضحت أضعافاً مضاعفة حيث انتقل الحزب من مرحلة النهب العشوائي إلى مرحلة الهندسة المالية المنظمة التي تضمن استدامة تمويل أجندته على حساب جوع اليمنيين.
شريان مأرب المنهوب وصراع السيادة المالية
تعد محافظة مأرب العمود الفقري لهذه الإمبراطورية المالية فالمحافظة التي تمتلك ثروة نفطية وغازية هائلة ظلت لسنوات وما زالت تُدار مالياً بعيداً عن السلطة المركزية في العاصمة المؤقتة عدن.. وتشير التقديرات الاقتصادية الموثقة إلى أن إيرادات النفط والغاز المنزلي في مأرب تتجاوز 150 مليون دولار شهرياً، إلا أن هذه المبالغ لا تجد طريقها إلى خزينة البنك المركزي.. وفي هذا السياق كشفت وثائق سابقة مسربة من أروقة البنك المركزي عن رفض المحافظ أحمد غالب المعبقي اعتماد قيود دفتري بمبلغ يصل إلى 187 مليار ريال يمني حاولت سلطات مأرب قيدها كإيرادات حكومية، وجاء الرفض القاطع لأن هذه المبالغ ضاعت في دهاليز الصرف المحلي غير الخاضع للرقابة ولم تورد نقدياً إلى الخزينة العامة.
إن هذا التلاعب بالسيولة النقدية السيادية يعد جريمة اقتصادية متكاملة الأركان حيث تُستخدم هذه الأموال في بناء ولاءات حزبية وتمويل تشكيلات مسلحة خارج إطار الدولة، بينما يعجز البنك المركزي عن صرف رواتب الموظفين في بقية المحافظات بسبب شح السيولة.
ومع حلول عام 2025م تعمقت هذه الأزمة، حيث استخدم الحزب ورقة الحقوق المطلبية للمجتمع المحلي للتهديد بوقف إمدادات الوقود والغاز كلياً كلما حاولت الحكومة فرض إجراءات رقابية على شركة صافر، مما حول الثروة الوطنية إلى أداة ابتزاز سياسي بيد الحزب.
تعز وجغرافيا الجبايات وعسكرة ضرائب القات
لا يختلف المشهد في تعز كثيراً، بل ربما يزداد مأساوية، حيث يفرض حزب الإصلاح، عبر محور تعز العسكري، حصاراً مالياً خانقاً على المدينة من الداخل.. لقد تحولت المداخل والمخارج والخطوط الالتفافية مثل طريق الأقروض ونقطة الهنجر ومنفذ جولة القصر إلى منافذ جمركية غير قانونية تشير المعلومات الميدانية إلى أن مئات الشاحنات المحملة بالبضائع والمواد الغذائية والمحروقات تخضع لعمليات ابتزاز ممنهجة، حيث تُفرض عليها جبايات باهظة تُجمع لصالح صناديق حزبية خاصة تحت لافتات دعم المجهود الحربي، وهذه الجبايات التي لا تُورد إلى مكتب المالية تسببت في ارتفاع تكلفة السلع الأساسية بنسبة تجاوزت 40% مما أثقل كاهل المواطن المحاصر أصلاً، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شهد عام 2025م فضيحة مدوية تمثلت في استحواذ تشكيلات مسلحة موالية للحزب على أكثر من مليار ومائة مليون ريال يمني من إيرادات ضريبة القات خلال خمسة وأربعين يوماً فقط، حيث تم التحصيل خارج الدورة المستندية الرسمية مما يوضح كيف تحولت المؤسسة العسكرية في تعز من أداة للتحرير إلى آلة للجباية تثري قيادات الحزب الميدانية.
استنزاف مقدرات الدولة والتحالف عبر الجيش الورقي
في واحدة من أخطر ملفات الفساد أشارت تقارير سابقة، لفريق الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة إلى وجود نسب تضخم هائلة في القوائم البشرية للقوات العسكرية الخاضعة لسيطرة الإصلاح، وهذه الأسماء الوهمية التي تُقدر في بعض القطاعات بما بين 30% إلى 40% من القوام الفعلي تستنزف ميزانية الدولة ومساعدات التحالف العربي.
إن هذه الألوية الورقية لا تستخدم فقط في نهب الرواتب والمخصصات بل تُستخدم كغطاء لتمرير ميزانيات ضخمة للتغذية والوقود والسلاح والتي يُعاد تدويرها لتمويل تكوينات الحزب الموازية مثل ما يطلق عليها المقاومة الشعبية، وهذا الفساد العسكري كان السبب الرئيس في تعثر الجبهات لسنوات حتى اللحظة، حيث يتم تغليب الاستثمار في الحرب على خيار الحسم العسكري لضمان استمرار تدفق الأموال إلى جيوب أمراء الحرب الحزبيين الذين باتوا يمتلكون استثمارات ضخمة في عواصم عربية وأجنبية.
دبلوماسية السلالة الحزبية ونهب حقوق الجرحى
لم يكتف الحزب بنهب الأرض بل امتدت يده لنهب المستقبل، حيث أثارت فضيحة المنح الدراسية، التي تفجرت عبر كشوف وزارة التعليم العالي المسربة، موجة من الصدمة الشعبية أظهرت تلك الوثائق استحواذ أبناء قيادات الصف الأول والثاني في حزب الإصلاح، بالإضافة إلى أقارب المسؤولين الموالين لهم، على مئات المنح الدراسية في تخصصات نادرة وبرواتب شهرية ضخمة بالعملة الصعبة، وهذا التمكين العائلي في السلك الدبلوماسي يعكس استراتيجية الحزب في السيطرة على مفاصل الدولة المستقبلية وإقصاء الكفاءات الوطنية من أبناء الفقراء.. وتصاعدت هذه الممارسات في عام 2025م لتشمل نهب مخصصات علاج جرحى الجيش الوطني، حيث رصدت مصادر حقوقية تحويل مبالغ ضخمة من ميزانية اللجنة الطبية إلى حسابات استثمارية في تركيا، بينما يعاني الجرحى الحقيقيون من الطرد من المستشفيات، مما يمثل قمة السقوط الأخلاقي والإنساني.
النزوح المالي والاستثماري في الاقتصاد التركي
أمام هذا النهب الواسع يبرز التساؤل عن مصير هذه المليارات، حيث تتزامن الطفرة العقارية والتجارية الكبرى لليمنيين في تركيا مع التقارير الدولية التي تتحدث عن تهريب ممنهج للعملة الصعبة من اليمن، فبحسب بيانات هيئة الإحصاء التركية، احتل اليمنيون مراتب متقدمة جداً في شراء العقارات وتأسيس الشركات في مدن مثل إسطنبول وأنقرة.. وتشير المعطيات إلى أن قيادات إصلاحية معروفة، وتجاراً يدورون في فلك الحزب قاموا بنقل ثروات طائلة ناتجة عن إيرادات النفط وجبايات تعز وفوارق أسعار الغاز لتوظيفها في مشاريع استثمارية ضخمة تشمل جامعات ومدارس دولية ومجمعات سكنية ومستشفيات.. وهذه الأموال التي كان من المفترض أن تبني محطات كهرباء أو تشغل مستشفيات في تعز ومأرب باتت تساهم في إنعاش الاقتصاد التركي، بينما يواجه الاقتصاد اليمني خطر السكتة القلبية الكاملة. وتؤكد بيانات السجل العقاري التركي لعام 2025م صعود أسماء قيادات وسيطة في الحزب كملاك لمشاريع جديدة تم افتتاحها مؤخراً بأموال منهوبة من الداخل.
المتاجرة بالظلام وخصخصة معاناة البسطاء
وصل الفساد إلى حد المتاجرة بأساسيات الحياة، ففي تعز تم تعطيل المنظومة الحكومية للكهرباء لصالح شركات تجارية مملوكة لقيادات حزبية تستغل البنية التحتية للدولة لبيع الكيلووات للمواطن بأسعار فلكية محققة أرباحاً خيالية من وراء معاناة الناس.. وفي مأرب تُدفع ملايين الدولارات سنوياً لشركات الطاقة المشتراة بدلاً من صيانة المحطة الغازية في استنزاف متعمد يضمن بقاء تدفق العمولات والنسب المالية للمسؤولين المشرفين على هذا الملف.. كما شهد عام 2025م تحولاً في آلية نهب المساعدات الدولية عبر سيطرة جمعيات واجهة تابعة للحزب على عقود التنفيذ المحلية مع المنظمات الدولية واقتطاع نسب تصل إلى 30% من قيمة المنح الإغاثية تحت بنود تشغيلية وهمية لتمويل الأنشطة السياسية والإعلامية للتنظيم.
استعادة الجمهورية من براثن الدولة الموازية
إن ما يمارسه حزب الإصلاح اليوم يتجاوز حدود الفساد التقليدي ليصبح تدميراً ممنهجاً لأسس الدولة اليمنية لصالح أجندة تنظيمية عابرة للحدود والسكوت عن هذا التغول يعني القضاء على ما تبقى من آمال في استعادة الجمهورية.
وبناءً على ما تقدم فإن مجلس القيادة الرئاسي، حسب خبراء وسياسيين، مطالب باتخاذ إجراءات فورية وجراحية لوقف هذا النزيف تتمثل في: فرض السيادة المالية المطلقة، وإلزام سلطات مأرب بتوريد كافة مبيعات النفط والغاز إلى الحساب العام في عدن، مع إخضاعها للرقابة الدولية وتطهير المؤسسة العسكرية عبر عملية بصمة إلكترونية لإنهاء ظاهرة الأسماء الوهمية، وتجفيف منابع تمويل القوى الحزبية مع ضرورة تفكيك شبكات الجبايات في تعز، وتجريم تحصيل أي رسوم خارج إطار المكاتب الرسمية، بالإضافة إلى تفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإحالة ملفات الفساد المثبتة إلى القضاء العسكري والمدني، ومراجعة كافة التعيينات والمنح التي تمت بالمخالفة للقانون منذ عام 2015م وحتى اليوم.
إن استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب الحوثي تبدأ باستعادة مواردها ومحاسبة الذين جعلوا من أوجاع اليمنيين سُلماً للصعود المالي والاستثماري في عواصم العالم.. فمجلس القيادة أمام اختبار حقيقي: إما الانتصار للمواطن المقهور أو الاستمرار في منح الغطاء السياسي لإمبراطورية فساد تلتهم ما تبقي من مستقبل اليمن.