منبر حر لكل اليمنيين

مشروع الدولة أقوى من السجون… ورموز الحق أكبر من قضبان الطغيان

د. عادل الشجاع::

في كل لحظات التاريخ التي حاول فيها الاستبداد أن يفرض صوته الأوحد، كانت هناك دائما قامات تقف لتعلن أن الدولة ليست سجنا، وأن الوطن لا يختزل في جماعة ولا في أيديولوجيا، وما يجري اليوم من اعتقال الدكتور حمود العودي ورفاقه—عبدالرحمن العلفي وخالد شعب—ليس مجرد انتهاك فردي، بل مؤشر صارخ على صراع بين مشروع دولة ومشروع جماعة تريد أن تجعل من الصمت دستورا ومن الإقصاء منهجا..

اعتقال رموز الفكر والاعتدال ليس حدثا عابرا، إنه إعلان صريح بأن صوت الحوار بات عدوا، وأن من يرفض تحويل اليمن إلى نسخة جديدة من الاستبداد يصبح هدفا يجب تكميمه، ومع ذلك، فإن التاريخ يعلمنا أن الأفكار التي تسجن تتحول إلى رايات، وأن الرجال الذين تقيدهم القيود يصبحون رموزا أكبر من الجدران التي تحاصرهم..

الدكتور حمود العودي، في مشروعه المدني للسلم والمصالحة، لم يكن يحمل بندقية ولا راية فصيل، بل كان يحمل رؤية لوطن يتسع لكل أبنائه، رؤية تؤمن أن بناء الدولة لا يكون بإخضاع المجتمع، بل بإحياء قيم القانون والشراكة والعدالة، وهذا بالضبط ما يصطدم مع منطق الجماعات المغلقة التي ترى في التنوع تهديدا وفي الحوار ضعفا..

ولعل التجربة الإنسانية الأعظم التي تذكرنا بقيمة المقاومة السلمية هي تجربة نيلسون مانديلا، الرجل الذي قضى 27 عاما خلف القضبان لم يكن مجرد سجين سياسي، بل كان تجسيدا لطموح أمة تبحث عن حريتها، لم يصبح مانديلا رمزا لأنه حمل السلاح، بل لأنه حمل مشروعا أخلاقيا عابرا للهوية واللون والقبيلة، وحين خرج، خرج وطنه معه من ظلام الفصل العنصري إلى فضاء المصالحة..

 

تجارب الشعوب تؤكد شيئا واحدا:
أن مشاريع الدولة العادلة لا تهزم بالسجون، وأن رموز الحوار لا تكسر بالقوة..

إن اعتقال العودي ورفاقه يكشف بوضوح الفارق بين من يسعى لبناء دولة تتعدد فيها الأصوات، ومن يريد خلق وطن أحادي الصوت والرؤية، وبينما يحاول تحاول عصابة الحوثي إغلاق النوافذ، تظل القيم المدنية قادرة على فتح أبواب المستقبل مهما طال القيد..

فالقضية اليوم ليست قضية رجل واحد، بل قضية مبدأ:
هل يمكن لوطن أن ينهض بينما تصادر عقول أبنائه؟
هل يمكن لدولة أن تبنى على الخوف؟
وهل يمكن لمستقبل أن يولد من رحم الإقصاء؟
التاريخ يجيب دائما: لا..

 

إن صوت العدالة أقوى من الجدران، ومطلب الدولة أكبر من العصابات، ورمزية الإنسان الحر—أي إنسان—أقوى من السجان مهما كان اسمه أو رايته، وما دام هناك من يدافع عن فكرة الدولة، فإن مشروع الاستبداد، أيا كان شكله، سيظل مؤقتا وعابرا..

فالأفكار العادلة لا يكفي أن يحملها رجل واحد، ولا يجوز أن تترك وحيدة في مواجهة آلة القمع، إن المشاريع الوطنية الكبرى لا تولد من أفراد مهما كانت عظمتهم، بل من وعي جمعي ينهض لحماية قيم الدولة، والمواطنة، والسلام، والعدالة..

ولهذا فإن الواجب الأخلاقي والوطني في اللحظة الراهنة هو تحويل المبادئ التي نادى بها الدكتور حمود العودي إلى حركة مجتمعية حية—حركة تحافظ على المعنى ولا تسمح للفكرة أن تسحق خلف القضبان، ليست حركة تتبع شخصا، بل تتبع مشروع الدولة الذي آمن به: دولة تتعدد فيها الأصوات ولا تقصى فيها العقول، دولة يتساوى فيها اليمنيون جميعا، ويصبح فيها الحوار أقوى من القيد..

عندما تتشكل طاقة جماعية تحرس هذه المبادئ، لن يبقى صاحب الفكرة وحده، ولن تترك الدولة المرتجاة بلا قادة يحملون مشروعها إلى المستقبل، هكذا فقط تنتصر الأفكار، وهكذا فقط تهزم السجون..

تعليقات