أثير مؤخراً تجمّع آلاف المهاجرين القادمين من دول القرن الإفريقي، عالقين في مناطق الحدود اليمنية–السعودية.
فمعا تكاثرهم الغير منظم في عدد من المحافظات اليمنية اهمها عدن، وابين، وشبوة، حيث يعملون في مهن متفرقة في مجالات البناء والخدمات والنقل، أو يعيشون ضمن مجتمعات صغيرة مهمشة على أطراف المدن، إلا أن ظاهرة الاستقرار المؤقت في المناطق الحدودية الفاصلة بين اليمن والسعودية، في ظروف بالغة القسوة، لتتحوّل مناطقهم إلى ما يشبه “مخيّمات غير رسمية” تُنذر بكارثة إنسانية وأمنية معاً.
وبرغم ان اليمن بلدٍ أنهكته الحروب والانقسامات، وأصبحت معظم مناطقه تفتقر إلى أدنى مقومات المعيشة الآمنة، إذ لا أطماع للهجرة إليها، إلا أن الواقع يشير إلى أنّه أصبح محطة عبور رئيسية نحو دول مجلس التعاون الخليجي، وهنا تكمن الخطورة.
فمنظمات حقوقية دولية ومنها منظمة الهجرة الدولية أكدت في تقاريرها تدفق ما قد يصل الى مائة ألف مهاجر سنوياً بينهم اطفال ونساء الى اليمن عبر البحر الأحمر وخليج عدن، وأثبتت تلك التقارير زجّ العديد من المهاجرين الأفارقة قسراً في المواجهات المسلحة داخل اليمن، سواء عبر الإغراء المادي أو عبر الضغط والاحتجاز، في ظل غياب رقابة رسمية حقيقية، وبرغم ما يمثّله ذلك من تعدّياً على حقوق الإنسان، بل ويهدّد الأمن المجتمعي والإقليمي، ويزيد من تعقيدات الصراع القائم، حيث يتحوّل هؤلاء المهاجرون من ضحايا فقر واضطهاد إلى أدوات في صراعات محلية لا شأن لهم بها.
والتعامل مع هذه الظاهرة يتطلّب مقاربة مزدوجة تجمع بين البعد الإنساني والبعد الأمني، فالانتشار غير المنظّم لهؤلاء المهاجرين وسط غياب الرقابة الرسمية وازدواج السلطات في البلاد، يثير مخاوف أمنية وصحية واجتماعية متزايدة، وهم في الأصل ضحايا شبكات تهريب دولية ومآسي اقتصادية في بلدانهم، لكنّ استمرار تجاهل وضعهم وتحويلهم إلى “قضية منسية” قد يُنتج واقعاً مقلقاً يصعب احتواؤه لاحقاً، رغم الطابع الإنساني لقضيتهم.
لذا فإن على الحكومة اليمنية، بالتعاون مع الأمم المتحدة ودول الخليج، العمل على ضبط وتنظيم وجود المهاجرين، حيث ان الهجرة الإفريقية إلى اليمن ليست ظاهرة جديدة، لكنها اليوم تتحوّل إلى أزمة إنسانية وأمنية عابرة للحدود، وإذا لم يتم التعامل معها بجدية وتنسيق إقليمي مسؤول، فقد تتفاقم لتصبح ملفاً أمنياً خطيراً يهدد استقرار المنطقة بأكملها، كما أن اليمن بحاجة إلى دعم جادّ من جيرانه، لأنّ ضبط هذه الظاهرة مسؤولية مشتركة تمسّ أمن الإقليم وسلامة الإنسان على حدّ سواء.