منبر حر لكل اليمنيين

عسقين يكتب عن معتقلي إب.. التهمة الجاهزة… سلاح العجز الحوثي في إب”

إبراهيم حمود عسقين

التهمة الجاهزة — ذلك القميص الممسوح بالمحرقة — أداة قديمة لدى كل سلطة تخشى الوجه الحرّ والصوت المستقلّ. تُلبَس الأجساد وبراءتها تُقذَف في مزابل الاتهام لتبرير القمع وشرعنة الغياب. في إب اليوم، حيث يقبع المئات من الأكاديميين والمعلمين والمحامين والمهندسين وخطباء المساجد ووجاهات المجتمع خلف قضبان الاختفاء القسري، نشهد بالعين ما كان يجب أن يبقى تذكيراً: التهم المفصّاة على مقاس المخاوف ليست إلا قميصًا مُعدًّا لإذلال المجتمع وإخماد أي نبرة فعل إنساني أو فكري.

التهم الجاهزة ليست برهاناً، بل أداة ضعف. تلك الدعاوى التي تُحمَّل المختطفين — من “خلايا نائمة” إلى “تخطيط للانقلاب” ثم “التخابر” و”الارتباطات الأجنبية” — تصدر قبل تحقيق، قبل محاكمة، قبل حتى سؤال واضح: لماذا يُختَطف إنسان بغير دليل؟ ما حقيقة الاتهامات؟ ولماذا يُحرَم أهله من أبسط حقوقهم في السؤال والزيارة والاطمئنان؟

من هم المختطفون؟ وما ذنبهم؟

من يقرأ قائمة مختطفي إب يعرف أنهم أبناء مهنة العقل والبناء: مدرسون أفنوا أعمارهم في التعليم، أساتذةٌ يحملون المعرفة إلى أجيال، أطباءٌ أنقذوا حياة الناس، محامون آثروا الدفاع عن الضعفاء، مهندسون بنوا جزءًا من المدن، وخطباء جهروا بالوسطية والاعتدال. هؤلاء لم يُعرف عنهم مواقف عسكرية، ولا ارتباطات جبهوية، ولم تقف لهم أدوات التحقيق بكلمة متهمة واحدة تُثبت ما تُراد إثباته. بل عاشوا لعقد من الزمن متعايشين تحت سلطة من تختلف معها آراؤهم، دون أن تُسجَّل عليهم مخالفة علنية أو نشاط مسلح.

هم التزموا الصمت، فهل يصبح الصمت ذنبًا؟ وهل يصبح الجلوس في بيوتكم، ومزاولة المهنة النبيلة، سببًا للاختفاء القسري؟ إن العلة ليست فيهم، بل في من يرى في الوعي المدني وعلم المعلم وخطبة المسجد تهديدًا لسلطته.

التهم المصنّعة: سلاح العاجزين

التهم المختلَقة تكشف أمرين: أولاً، إفلاس فكر؛ فمن يلجأ إلى اختلاق التهم، لا يملك حجة مقنعة. وثانياً، ضعف مشروع؛ فلا يخشى المنهج السليم إلا من الحقيقة التي يكشف زيفه. لذلك تُسخّر الآلات الإعلامية والمخابراتية لنسج سردية جاهزة: خصوم خارجيون، شبكات خفية، مؤامرات مخابراتية. لكنها سرديات بلا أدلة، صيغت لتخدير ضمير المجتمع وتطويع العقل العام.

هل يعقل أن نخاطب عالمًا راشدًا بمنطق مؤامرة؟ هل يعقل أن نبرر تغييب معلمٍ غاب عن فصله، أو أستاذٍ عن محاضره، أو طبيبٍ عن ميدان عمله، بزعم “خطة سرية” لم تُبن على أي بائنٍ من البينة؟ إنها صفاقة الاتهام، وصلفه.

التزامات دولية ومحلية: أين العدالة؟

الإخفاء القسري والاعتقال بلا تهمة انتهاكان لا يخصمان من سقف الحقوق فقط، بل يطيحان بكلِّ مفهوم للعدالة. القانون الدولي واضح: لكل محتجز حقًا في عدم التعذيب، في الاطلاع على تهمه، في محاكمة عادلة، وفي الاتصال بذويه. وإذا كانت هناك شبهة لدى جهات الأمن، فالقانون يفرض مسارات قضائية واضحة، لا اختفاءً ولا تسلطًا ولا تلفيقًا.

المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية، والحكومات المحلية — خاصة الممثلون الشرعيون للدولة — عليهم واجب وقوف واضح وحاسم ضد هذه الممارسات: توثيق، ضغط، فتح قنوات لزياراتٍ مستقلة، وتقديم الدعم القانوني للأسر. الصمت أو التهاون يعادل المشاركة.

كلمة إلى مطابخ التهم

إلى من يجهّزون التُهم: يكفيكم من السخف أن تُعيدوا تدوير اتهامات الباطل لتبرير الباطل. إن المجتمع يقرأ، والعالم يراقب، والتاريخ لا يرحم من يسن قوانين الغيب والشلل. التهمة المصنّعة اليوم ستكون وصمة على جبينكم غدًا؛ لأن الحق لا يختبئ إلى الأبد، والضمائر التي تُقهر تُنبت ثورات إنسانية لا يوقفها لا تهديد ولا تلفيق.

دعوة أخيرة

أدعو أهل الصحافة النزيهين، ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، والهيئات القضائية إلى تقصي الحقيقة بشفافية كاملة حول مصير مختطفي إب. أدعو المجتمع المدني إلى رفع صوتٍ واحدٍ واضح: لا للتهويل، لا للاتهامات المشتغلة على الخوف، نعم للعدالة، نعم للحق في الحياة والكرامة. وأدعو أهلنا في إب — وأهل الضمير في كل مكان — إلى مناصرة أبنائهم بجرأة وحكمة؛ فالمناصرة الحقيقية هي التي تقلب موازين الخوف، وتعيد الحق لصاحبه.

في نهاية المطاف، ليست القضية أن تُسجّل تهمة على ورق، بل أن تكتب للإنسان حياته: حرية، عمل، علم، كرامة. وأي قميص تُلبَس به بريئة لا يصمد طويلًا أمام فجر الحقيقة.

تعليقات