منبر حر لكل اليمنيين

اليمن بين عبث التسويات وخيار التيار الثالث

د. عادل الشجاع

رغم التحركات الدبلوماسية المتكررة للمبعوث الأممي إلى اليمن، والتي كان آخرها تكثيف اللقاءات في صنعاء وعدن ومسقط، ورغم المبادرة السعودية الأخيرة بدعوة الحوثيين إلى طاولة الحوار، إلا أن هذه التحركات – كما هو واضح لكل من يراقب المشهد بعمق – ليست سوى خطوات في مسار طويل من تدوير الأزمة لا حلها، لقد بات واضحا أن جماعة الحوثي ليست مفوضة بالسلام، بل مكلفة بإدارة حرب مفتوحة ضمن جدول زمني إقليمي ودولي لم يحن بعد وقت تجاوزه..

لم تكن الأمم المتحدة – للأسف – وسيطا نزيها أو حازما في وجه الانقلاب على الدولة اليمنية، بل كانت – وما تزال – جزءا من سياسة احتواء الأزمة بدل حلها، تدير الصراع بأدوات باردة، تراقب جرائم الحوثيين بحق المدنيين، وتغض الطرف عن تعنتهم، بل وتكافئهم على ذلك بالاعتراف المتكرر بهم كطرف سياسي، رغم انقلابهم المسلح على مؤسسات الدولة، ورفضهم الصريح لتطبيق القرار الدولي 2216!.

أما السعودية، والتي انطلقت عاصفة الحزم من أجل دعم الشرعية اليمنية وإنهاء الانقلاب، فقد انتقلت – بمرور الوقت – من مشروع الحسم إلى مشروع التعايش مع الحوثي، متخلية عمليا عن الأهداف المعلنة لتدخلها، ومبررة ذلك بذرائع الأمن القومي والحوار الإقليمي، لكن هذا التحول لم ينتج سلاما، بل عزز من سطوة الميليشيا وأوهمها بإمكانية انتزاع الاعتراف الدولي على حساب الدولة اليمنية!.

تبدو القوى المحلية اليوم، من حكومة ومكونات سياسية في الداخل والخارج، أشبه ما تكون بصدى للقرار الإقليمي والدولي، منزوعة الإرادة، مشتتة، مصابة بأزمة تمثيل حقيقية، معظمها صنع في الرياض أو أنتج في أبوظبي، ويحمل في طياته تناقضات من الصعب أن تبنى عليها دولة!.

 

تيار ثالث.. لاستعادة القرار الوطني

من قلب هذا الانسداد، ومن تحت ركام التبعية والفشل السياسي، بدأ يتبلور ما يمكن تسميته بـ”التيار الثالث” – وهو ليس كيانا حزبيا تقليديا، بل روحا وطنية جديدة، تتشكل على نار هادئة، في الداخل والخارج، من نخب وقوى وشخصيات تدرك أن لا سلام دون سيادة، ولا دولة دون قرار مستقل، ولا مخرج من الأزمة إلا عبر فرض تنفيذ القرارات الدولية، وأولها القرار 2216..

هذا التيار لا يراهن على المبعوثين، ولا على موائد تفاوض فارغة، بل على إرادة الداخل اليمني، على نهوض شعبي ونخبوي يعيد الاعتبار للثوابت الوطنية، ويلزم القوى الإقليمية والدولية بالتعاطي مع اليمن كدولة لا كملف تفاوض!.

 

نحو سلام لا يفرط بالسيادة

السلام الحقيقي في اليمن لن يبنى على صفقة سياسية تقنن الانقلاب، ولا على تسوية تكافئ السلاح، بل على مشروع وطني يعيد الاعتبار للمواطن اليمني، ويضع حدا لعبث الميليشيات، ويعيد بناء الدولة على أسس العدالة والتمثيل الحقيقي..

وحتى يتحقق ذلك، فإن دور التيار الثالث، الذي بدأ يأخذ ملامحه، سيكون هو الفيصل. هذا التيار، بطابعه الوطني المستقل، سيجبر الجميع – من الحوثي إلى الرياض، ومن المجتمع الدولي إلى أبوظبي – على احترام اليمن كدولة، لا كساحة تصفية حسابات..

اليمنيون لا يريدون حربا، لكنهم كذلك لا يقبلون استسلاما مقنعا، ومع هذا التيار، تتجدد الآمال في وطن سيد، حر، موحد، لا مكان فيه لميليشيا فوق الدولة، ولا لوصاية باسم الأمن الإقليمي، ولا لحلول تفرض من الخارج.؟

تعليقات