في التاريخ الإنساني دروس لا تنسى، وأهمها أن الشعوب إذا أرادت الحياة، فلن يقف أمامها طغيان، ولن تثني عزيمتها آلة قمع أو سلطة مستبدة، ولو امتلكت ترسانة من السلاح، فالسلاح قد يخضع الجسد، لكنه لا يستطيع تقييد الفكر، ولا يمكنه إخماد روح النضال إذا اشتعلت في قلوب الأحرار..
في اليمن، تتجلى هذه الحقيقة بشكل صارخ، فالبلاد تعاني منذ سنوات من سطوة ميليشيات مسلحة تفرض سيطرتها بالقوة، مستندة إلى السلاح وحده، دون شرعية سياسية أو دعم شعبي حقيقي، هذه الميليشيات التي أوغلت في تمزيق المجتمع، وقسمت الأرض، وجعلت من الوطن رهينة لأجندات خارجية، لا يمكن هزيمتها بالسلاح فقط، بل بإرادة شعبية راسخة، تعيد الاعتبار للدولة، وتضع حدا لعبث أدوات العنف والفوضى..
لقد أثبتت التجارب العالمية أن الشعوب التي تقف صفا واحدا، وتنتفض من أجل حريتها وكرامتها، قادرة على إسقاط أعتى الأنظمة وأكثرها تسلطًا، من جنوب إفريقيا، حيث أنهت الإرادة الشعبية نظام الفصل العنصري، إلى أوروبا الشرقية التي أطاحت بالحكم الشيوعي في تسعينات القرن الماضي، إلى ثورات أخرى اجتثت أنظمة استبدادية حكمت لعقود، كل هذه المحطات تؤكد أن الشعوب حين تتحرك بوعي وتنظيم، لا يمكن أن تهزم..
وحتى عندما تواجه هذه الشعوب جيوشا مدججة بالسلاح، فإن المعركة لا يحسمها، بل تحسمها الإرادة والتضحية، والتكاتف، السلاح قد يكسب معركة، لكنه لا يكسب ولاء الناس، ولا يمنح شرعية، ولا يبني وطنا..
في اليمن، الإرادة الشعبية هي الأمل الوحيد للخلاص، لا تحرر حقيقي دون مشاركة الناس في تقرير مصيرهم، ورفضهم القاطع للهيمنة المسلحة، أيا كان مصدرها، ولن يتحقق السلام الدائم إلا إذا نهضت الجماهير لتقول كلمتها، ولترسم مستقبلها بيدها، لا تحت وصاية ميليشيات ولا بإملاءات خارجية!.
اليمن يحتاج اليوم إلى لحظة وعي جماعي، تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وترفض استمرار التشرذم والانقسام، ولن يحدث ذلك إلا عندما يدرك اليمنيون أن قوتهم الحقيقية ليست في السلاح، بل في وحدتهم، وصوتهم، وإصرارهم على استعادة الدولة، والعيش بكرامة وسلام!.
ختاما، يبقى الدرس الأهم من كل ما مضى، أن إرادة الشعوب لا تقهر، والأنظمة التي لا تستند إلى هذه الإرادة، مهما امتلكت من القوة، مصيرها الزوال، فالشعوب، متى أرادت، قادرة على صنع المعجزات!!.