في زمن تتعالى فيه الأصوات العالمية دفاعا عن الحق في التعليم، يواجه أكثر من سبعة آلاف طالب يمني في مصر خطر الانقطاع القسري عن الدراسة، لا لذنب ارتكبوه، بل لأنهم حملوا حقائبهم الصغيرة وهربوا مع أسرهم من جحيم الحرب والدمار الذي ينهش بلدهم منذ سنوات!.
هؤلاء الطلاب، الذين تم قبولهم منذ سنوات في مدارس يمنية معتمدة من السفارة اليمنية ووزارة التربية والتعليم اليمنية، لم يكونوا عبئا على أحد، بل كانوا يحاولون فقط الحفاظ على شريان العلم موصولا في حياتهم، وعلى جذورهم التربوية والثقافية حية، في ظل واقع غربة قاس وشتات لا يرحم..
في العام الماضي جاء قرار من وزارة التربية والتعليم المصرية يطلب من تلك المدارس اليمنية تسوية أوضاعها القانونية، إما من خلال امتلاك أو استئجار مبان مدرسية مطابقة للمعايير، أو عبر الاتفاق مع مدارس خاصة مصرية لتعمل فيها بالفترة المسائية، وبالفعل، تجاوبت معظم المدارس اليمنية مع هذا القرار، في خطوة تحسب لها لا عليها، واستأجرت مقرات تعليمية تنطبق عليها الشروط المطلوبة!.
غير أن المفاجأة المؤلمة كانت في أن هذه المدارس لم تتمكن من بدء العام الدراسي في موعده، رغم جاهزيتها واستعدادها، في وقت التحق فيه ملايين الطلاب المصريين بمقاعد الدراسة..
وهنا يبرز السؤال العاجل والملح:
هل عجزت الحكومة اليمنية والدبلوماسية الرسمية عن تأمين متطلبات سبعة آلاف طالب فقط؟
هل فشلت في التنسيق مع الجانب المصري لتوفير مهلة إنقاذ لهؤلاء التلاميذ، ولو لعام دراسي واحد، ريثما ترتب أوضاعهم بشكل نهائي؟.
نعلم يقينا أن الأشقاء في مصر لا يضمرون نية في تعطيل تعليم الطلاب اليمنيين، بل كانوا – ولا زالوا – الحضن العربي الأدفأ لكل من ضاقت بهم الأوطان، لكن المبادرات لا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى حضور دبلوماسي فاعل، وضغط رسمي من حكومة يفترض أنها تمثل مواطنيها وتدافع عن أبسط حقوقهم!.
فإذا كانت جماعة الحوثي قد أمعنت في تدمير التعليم داخل اليمن، ومصادرة مرتبات المعلمين، وإغلاق المدارس، وتجهيل الأجيال، فهل نقوم نحن – دون أن ندري – بتكملة هذا الدور؟ هل من الحكمة أن ندفع بآلاف الأطفال نحو الأمية والتشرد بدل أن نحميهم ونستثمر في مستقبلهم؟.
إن حرمان هؤلاء الطلاب من عام دراسي كامل لا يعني فقط فقدانهم سنة من أعمارهم، بل هو تهديد لهويتهم ومستقبلهم، وقطع لأرزاق مئات المعلمين اليمنيين الذين كانوا يعملون في تلك المدارس، يعيلون أسرهم ويقومون بواجبهم التربوي رغم قسوة الغربة والظروف!.
الرسالة اليوم ليست إلى مصر فقط، بل إلى الحكومة اليمنية بكامل مؤسساتها، وإلى السفارة اليمنية في القاهرة، وإلى كل من لديه ذرة مسؤولية:
أنقذوا ما تبقى من كرامة التعليم اليمني، لا تتركوا سبعة آلاف شمعة تنطفئ في العتمة، فالقضية ليست فقط أرقاما وأوراقا رسمية، بل أرواح صغيرة، وعقول تنبض بالأمل، تنتظر من ينتصر لها.؟