القاهرة.. أنور العنسي يقدم ورقة عن د. علي محمد زيد في المركز الثقافي اليمني
أنور العنسي
مساء أمس الأربعاء تشرفت بإدارة فعالية حوار رائعٍ بين المفكر والمؤرخ والباحث الكبير د. علي محمد زيد ونخبة رائعة من المثقفين السياسيين اليمنيين، وذلك في المركز الثقافي اليمني في القاهرة، وهنا تقديمي للبروفيسور وبعض الصور .
——-
ممتنٌ عالياً وبلا حدود للمركز الثقافي اليمني في القاهرة على هذه الدعوة الكريمة.
وفخورٌ بأن أكون إلى جوار رجلٍ مثل البروفيسور (علي محمد زيد) الذي أحسبه بلا مجاملة جبلاً من المعرفة، تراكم منذ عقودٍ بالدأب والاجتهاد، وتياراً من العلم اجتاح وعينا بل وحياتنا بعقودِ من شفيف الضوء ورشاقة العبارة ونبل المقصد.
حين أقول إن شهادتي عن الدكتور علي زيد مجروحة فأنا محقٌ وأعني ما أقول، ذلك أن الرجل كان بالنسبة لكثيرٍ من أبناء جيلي هو الرمز الملهم والنبراس المضيء طوال حياته.
وحين أتحدث عن تأثيره الشخصي علي فأعترف أنه ما من نصٍ شعريٍ كتبته، أو عمل إبداعي أنجزته، أو كتابٍ أصدرته إلا وكان الدكتور علي هو أول القراء للمسودة الأولى والأخيرة قبل الطباعة أو النشر، وكانت بصماته على أعمالي كلها واضحة ومهمة، فبقدر ما رافقته في حياته وكتبه وإنتاجه الثقافي الغزير رافقني وأرشدني دوماً إلى الإجادة والصواب في ما اعتبره قصة نجاحٍ عالمية كان هو واحداً من رموزنا الوطنية العظيمة ذات التأثير العميق على طريقة تفكيرنا وكيفية ترجمة أحلامنا.
عندما تقدمت لأول وظيفة في حياتي في وزارة الإعلام كان يسبقني بخطوة واحدة أمام مكتب شؤون الموظفين ، لكنه في الحقيقة كان يسبقني كثيرًا في كل شيئ تقريباً بعشرات الأمتار ، بل ربما الكيلومترات.


حينها كان “علي محمد زيد” ذلك الشاب العائد من بيروت بعد تعذر استمراره في الدراسة بالجامعة الأمريكية بسبب اندلاع الحرب الأهلية هناك لا يثير اهتمامي ببنطاله “الجينز” ولكن بكونه كتلة وازنة من الحياة والحياء ، وبمستوى عال رفيع من الذكاء والخلق.
تخلق الرجل في أفضل مناخات الوعي القومي بالذات، وكان من أنضج قيادات العمل الطلابي في بيروت كما وصفه لي صديق لبناني.
أتذكر أن “علي ” أخذني بعد تقديمنا أوراقنا نحو بقالة قريبة واشترى له ولي علبتين من العصير .. أهم من ذلك العصير أنه بعد ذلك اعتصرني في عالمه طوال ما يزيد على خمسة وأربعين عاماً.ً
سأترك للبحاثة الحديث عن صديقي العالم الفيلسوف الذي لا يضاهيه أحد في دأبه كباحث ، وفي جهده كرجل علم وفكر وتاريخ وسياسة ، وسأتحدث فقط عن “الإنسان” الذي يحتويه “علي”.
من الأمثلة على بؤسنا كعرب ويمنيين أن كثيرين لا يعرفون قيمة “على زيد” في ميدان العلم ، ولا مكانته في الثقافة العربية المعاصرة ، لم يقرؤوا أبحاثه المتبصرة وغير المسبوقة في جوانب من الفكر الإسلامي في اليمن ، ولَم يطلعوا على ترجماته ، ولَم يعرفوا شيئاً عن دوره كديبلوماسي عتيد في “اليونسكو” أعرق وأهم المؤسسات الثقافية الدولية ، ولا عن محاولته لجعل “مؤسسة العفيف” في صنعاء رافعة لثقافة مجتمعية جديدة.
علاوة على ذلك يتقن علي زيد ثلاثاً من أهم اللغات في العالم ، يتقنها كوسائل فعالة للمعرفة ، وليس للتواصل وطلب وجبة في مطعم ، ولَك في هذه الحال أن تتخيل أي نوافذ مشرعة أمام هذا الرجل للنظر والانتهال من معائن الثقافات المختلفة.
يتوقف هذا الباحث والمفكر الستيني المثابر عن القراءة والبحث والتساؤل في كل طارف وتليد ، حديث أو مستجد وكأنه لا يزال طالباً يدلف بأولى خطواته إلى الجامعة.
مع ذلك يأسرك “علي ” بهدوئه وبساطته وتواضعه وكأنه ليس أكثر منك ،
ما من مرة ذهبت فيها إلى باريس إلاّ وحرصت فيها على أن ألتقيه ،عندما أخذني أواسط ثمانينيات القرن الماضي مع صديقنا المشترك الشاعر الكبير عبدالودود سيف إلى المبني التاريخي لجامعة “السوربون” في باريس كان يصف لنا كل جزء منها وكأنه قطعة حميمة منه ، حينها بدت لي هذه الجامعة كأنها هو أو أنه كان بكل “تفاصيله” هي.