منبر حر لكل اليمنيين

الروائي حبيب سروري يكتب عن حزب الاصلاح

حبيب عبدالرب سروري

“حزب الإصلاح” حزب يمني ذو توجه ديني، كما يعرف الجميع.
زاد الحديث عنه في الفيس هذه الأيام، منذ أحداث تعز الأخيرة، وبسبب إدارته لجزء من المدينة.

لا أعرف كثيرا عن هذا الحزب، في الحقيقة.
بدء معرفتي الضئيلة به ارتبطت بذكريات مقتل الأستاذ جار الله عمر،
وهو يلقي كلمة الحزب الاشتراكي اليمني داخل قاعة مؤتمر حزب الإصلاح.
سقوط جار الله قتيلا أمام الكاميرات، ثمّ منظر جثته الدامية، يجرّها اثنان نحو باب الصالة،
تسكن الكثيرين، منذ ذلك اليوم.

لحظات تراجيدية مرعبة تلخِّص كل بشاعات الحياة السياسية اليمنية.
(نص الغلاف الأخير لكتابي “عن اليمن، ما ظهر وما بطن” مسكونٌ بهول وأوجاع هذا المنظر الكابوسيّ).

كنت في صنعاء يومها، وكان الحزن في كل وجهٍ ومكان.
منظر صدمات وجوه أهل المدينة، ورعب كل المارين والبائعين والمتجولين، بسبب هذا الاغتيال الجبان، لا تفارق الكثيرين.

تجربتي الشخصية الوحيدة مع حزب الإصلاح تقتصر على الدعوة التي وُجِّهت لي لمؤتمر طلابي يديره في تركيا (قبيل سنوات الكوفيد بقليل)،
لإلقاء محاضرة علمية.

كنت في إسطنبول عشية المؤتمر.
كتبتُ منشورا وديّاً في صفحتي حينها أذكِّر فيه من يقولون منهم إن هويتهم يمنية-عربية-إسلامية بأنها يلزم أن تكون يمنية-عربية-إنسانية، كما يقول النشيد الوطني.
لم أقل أكثر من هذه المسلمة البديهية البسيطة!

كفى ذلك ليجتمع طلابهم حتى الرابعة فجرا،
ويقررون بنسبة ٩٧٪؜ رفض المحاضرة العلمية،
ومنع وصولي إلى المؤتمر!
وصلتني ليلتها أيضا بعض تهديدات شخصية من طالب محموم مضطرم (حتى لا أقول وصفا أكثر أناقة وتدليلا له)، فيما إذا وصلتُ قاعة المحاضرة…

لا أنسى، مع ذلك:
٣٪؜ منهم وقفوا وقوف الأبطال ضد منع المحاضرة،
دعموني بإخلاص وصدق حتى آخر لحظة،
وأكنّ لهم دوما كل الاحترام والتقدير والودّ.

لكني أدركتُ (بسبب هذه النسبة الرهيبة:
٩٧٪؜ يرفضون محاضرة علمية!،
في مؤتمر دعوني اليه هم أنفسهم،
وأرسلوا لي تذكرة السفر!)
أدركتُ أن البلد خارب كلية،
وأن هناك سرطانا جوهريا قد تغلغل في الصميم.

نسيتُ حزب الإصلاح بعد ذلك، وما حدث لي في تركيا.
لكني صدمتُ فعلا عندما رأيت ما كتبه الكثير من أعضاء هذا الحزب،
ممن ظننتُ قبل موت الزعيم الروحي لحزبهم: الزنداني،
أنهم قد قبروه في أدمغتهم قبل موته بكثير.

فوجئت بنصوص نعيٍ لا تخلو من العرفان والمحبة،
رغم أن الزنداني كان دوما أحد أكبر آفات ودجاليّ اليمن!

هو الذي أفتى بإعطاء الخمس من الثروة اليمنية لعصابة الحوثي وبقية “أهل البيت”،
وخرّب عقول الناس في اليمن بخرافات الإعجاز العلمي في القرآن وعلاج الإيدز،
ودمّر التعليم في اليمن على نحوٍ يفسِّر ما نعيشه اليوم من خرائب،
دون الحديث عما فعله في جنوب اليمن، وأفتى به بعد حرب ١٩٩٤…

بدا لي أحياناً مما كتبوه في نصوص رثائهم،
كأنهم يرونه وهو في سرير الموت يفتح أحد عينيه،
ويراقب ما سيقولونه عنه إثر موته!
مثل ستالين وهو مضجع في فراش الموت،
يدور حوله أعضاء المكتب السياسي،
في رواية روسية!

سألتُ حينها باحثا علميا، محايدا مرموقا، في شؤون هذا الحزب،
عن سبب هذا الولاء الذي لا تنفصم عراه،
فشرح لي ما كنت أجهله تماما.

أدهشتني في شرحه كلمة واحدة: “المرشد”.
من دخلَ هذا الحزب له عضو “مرشد”، على غرار بقية أحزاب الأخوان المسلمين، كما فهمتُ.

أضاف الباحث:
حتى لو غادر العضو الحزب، تظلّ مطبوعةً في أعماقه بالميسم تعاليمٌ تلقاها آنذاك،
لا تُمحى مع الزمن.

(بالتأكيد هناك حالات استثنائية لأعضاء انسلخوا كليّا أحيانا من آفات تربية المرشد وتعاليم الحزب،
ونجوا من خرائب غسل الأدمغة،
وقطعوا حبل السرّة نهائيا بها).

منذ ذلك اليوم، وأنا أتمنى أن أقرأ دراسة ميدانية عن علاقة عضو حزب الإصلاح بمرشده:
١) ماذا يقول المرشد له؟ أي إرشاد؟ هل هو مسؤول عن تربيته ومراقبته؟
٢) حول ماذا يحلف بالقرآن العضو الجديد عند انضمامه إلى الحزب؟
وهل بسبب هذا القسم بالقرآن يظلّ العضو دوما وفيا لتعاليم الحزب، للمرشد؟
٣) ما رأي أعضاء الحزب بتجاربهم المرتبطة بالمرشدين، وبقادتهم الروحيين عامة،
وهل هناك قصص مكتوبة تشرح هذه العلاقة التي لا يستطيع الكثيرون من أعضاء هذا الحزب، كما يبدو، قصّ حبل سرّتها؟…

سؤال:
هل هناك دراسات عن كل ذلك؟
هل يمكن (لأعضاء سابقين أو جدد عاشوا هذه التجارب) إنارتنا بإجابات تشفي ظمأنا القديم،
لاستيعاب آلية عمل هذا الحزب؟…

أما إذا ذهبتُ بعيدا في أحلام تساؤلاتي، فسأسأل:
هل هناك محاضر لاجتماعات هذا الحزب كي يدرسها الباحثون العلميون،
ليكشفوا لنا آلية عمله وتفكير أعضائه،
ومدى تشابه ذلك مع الأخوان المسلمين وغيرهم من الأحزاب الأيديولوجية،
كأحزاب البعث وغيرها،
التي دمّرت بلداننا العربية؟

  • من صفحته في فيس بوك.
تعليقات