منبر حر لكل اليمنيين

يحيى دويد… حين يُعرِّف الضوء بنفسه

محمد عبده الشجاع

في حضرة النهر لا يجب أن تستدعي الضفاف ولا تُلوٍّح للنُّتوءات، يكفي أن تصبح الصخورُ شاهدة وأنت تغترف من ذاكرة مزدحمة بالانتماء، وسيرة تتدفق القًا وعنفوانا لا تطاله العواصف ولا تخذله الشموس.

من بين كثير ممن التقيت وعرفت في القاهرة من كوادر مبدعة وقيادات وشخصيات مختلفة، وهم أهل لكل تعبير صادق وثناء نقي، دون أي تمييز أو حسابات ساكنة، كانوا بمثابة رصيد انساني وضوء يُعرِّف بنفسه قبل أي شروق، الأستاذ القدير/ يحيى عبدالله دويد، تعرفت إليه من لقاءات قليلة واحاديث بسيطة، شخصٌ يمثلنا، ممتلئ بالحكمة، ينتمي لارواحنا، يشبه أحلامنا المنهكة، واسئلتنا الهاربة من صخب الفوضى وحشود العاجزين.

في الطريق إلى مهرجان الكلمة وكرنفلات الجدود وتألق الأوفياء وسباق المَجازات، تنبت على الضفاف دروب حذرة، تتعثَّر الخٌطى كأنَّ بلادًا تقف على أعتاب الجروح مجردةً من الضغينة، تعاتب المُمكنات وتُصلِّي بالناجين من رَداءةِ المشهدِ وبؤسُ السرديات الغابرة.

بلادٌ شامخة تَلُوحُ كأنها بداية الوجود، تستدعي ما تناثر من حكايات، تلوذ بالمسافة الدافئة، ترمم بوابات الحياة وتترك أثرًا بالغ الحكمة، تتمسك بحشود ممتلئة بالكرامة وميادين لا تعرف الانحاء، هكذا تبدو النفائس منفردة؛ وقد ابتلعت الخطوب والمغريات معظم من كانوا اُمناء على السيادة.

ما من حديث سيكون جديراً الآن بالعزيز يحيى، بعيدا عن الصفات الحزبية، على الأقل في هذا المعترك المترامي والانقسام الحاد بين الممكن والواجب، ودورات الشتات التي أصابت الكثير من الأوفياء ولم تثنيهم عن نيل شرف المحاولة.

إذا فالأمر مجرد استحضار وتذكير بأن هناك من يقف على السفوح ليبدد سبات المنهزمين ويبدأ رحلة الانتصار لكل رافعة اسقطتها الخيانات، ولاعشاش النسور التي افزعتها مزادات الخيبة وغبش الفجر المفارق للجذوع.

بعيداً عن المتسلقين جدران الهزائم، المتخمين بعروض الاستلاب، نقف عند شرفات الاجلال لكل من تربع دون الاتكاء على وهم التحرير الكاذب، نفتح آفاق الانتماء بملامح سبتمبرية لا تقبل الجدل العقيم ولا انصاف الحلول، تُشارك الوهجَ سطوتَهُ وسطوعه، وتَبثُّ في الإرجاء نفحات الابطال الشهداء، وجمهورية لا تعرف الخيانة ولا تجيد المكر.

ثمة أسماء تحدق في عيون الاوطان الحزينة من بعيد، تداري اوجاع الأمكنة وتحاول تهذيب اللغة كي تمسك أطراف القصيد، وتلقي على المسامع ما تيسر من رؤى، تعمل جاهدة لتعيد ترتيب حقائب العودة نحو الجذور، وهي الأجدر بالاحتفاء دون مواربة أو استحياء.

ولطالما ترددت كثيرًا في الكتابة عن الاستاذ يحيى مثله مثل كثير ممن عرفت وأحببت حتى لا تحسب تلك السطور شيء من الترف أو المجاملة، إلا أن التقدير فكرة نبيلة واستكثار الكلمة فيمن نعزهم ونحسن الظن في مبادئهم وتوجهاتهم أمر غير محمود.

إننا حين نُعبٌِر عن الحقيقة كما هي في المرايا؛ إنما نعيد تعريف الأشجار التي تطير دون جذورها، والقلاع التي تحمي مدننا من السقوط، ذلك مأمول حتى وإن توالت الخيبات، فالشعور بالامتنان للحظات ربما كانت عابرة، تعزز لدينا الثقة بالمنظور وأمل النهوض القريب.

حقيقة لا أحب أن اغوص في الحقول الشائكة والبقع المعتمة، وربطها بتفاصيل لا جدوى من الحديث عنها اليوم، ومفارقات مكشوفة، لكن إجمالا الأستاذ يحيى شخصية متزنة ومسؤولة، نأت بنفسها عن أي حضور مشبوه، أو حوار معتل.

يحظى بالكثير من التقدير وبمكانة طيبة في الوسط الاجتماعي والسياسي والوطني والثقافي، كما يمتلك حضورا حافلا، يتميز بالعصامية ورحابة الصدر واتزان الفكر وسعة المدارك.

إذًا هو وبكل ثقة امتداد لمدرسة تنظيمية دستورها الميثاق الوطني وربانها ابن سنحان الشهيد علي عبدالله صالح وامينها البطل الشبواني عارف عوض الزوكا وهُويتها الجمهورية اليمنية بألوانها الزاهية وشعبها الصامد الصابر المؤتلف، وشهدائها الأبرار.

 

تعليقات