منبر حر لكل اليمنيين

الدعم السعودي الأخير بين الشراكة السياسية وانعدام الثقة المالية

إعداد - رياض الأكوع

أولاً: خلفية الدعم الأخير

أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخرًا عن تقديم دعم جديد لليمن يقدَّر بنحو 368 مليون دولار عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. لم يُقدَّم هذا الدعم كوديعة في البنك المركزي اليمني ولا كمنحة مباشرة للحكومة، وإنما خُصص لبنود تشغيلية محدودة تشمل:

تشغيل جزئي للموازنة.

توفير المشتقات النفطية.

تشغيل مستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن.

ثانيًا: الدلالات السياسية

هذا النمط من الدعم يعكس معادلة مزدوجة:

من ناحية، الرياض ما زالت تعتبر الشرعية اليمنية شريكًا أساسيًا سياسيًا لا غنى عنه لتثبيت شرعية التحالف أمام المجتمع الدولي.

ومن ناحية أخرى، هي تراها شريكًا غير موثوق به ماليًا وإداريًا، ولذلك اختارت إدارة الدعم عبر قنواتها الخاصة لضمان الشفافية والرقابة وتفادي الهدر والفساد.

بذلك تتحول الشرعية إلى واجهة سياسية ضرورية لكنها تفتقر إلى الثقة التنفيذية، ما يضعها في موقع التبعية أكثر من موقع الشراكة المتكافئة.

 

ثالثًا: الأبعاد الاقتصادية

الأثر المباشر لهذا الدعم محدود الطابع:

نفسي ومعنوي أكثر منه نقدي.

يمنح الأسواق إشارة استقرار مؤقتة ويبطئ حركة المضاربة.

لكنه منعدم الأمد اقتصاديًا، لأن التنفيذ عبر البرنامج السعودي يحتاج وقتًا، وقد يتأخر وصول أثره الفعلي إلى السوق.

في ظل غياب إصلاحات مالية وإدارية جادة، قد يتحول هذا النوع من الدعم إلى مجرد تأجيل للأزمة لا حل لها.

 

رابعًا: الوصفة الدولية المطلوبة

لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية في اليمن، لا بد من خطوات جذرية تتجاوز “المسكنات”، وتشمل:

1. تمويل عجز الموازنة عبر منح مباشرة من التحالف تمتد لعشرين سنة قادمة، التزامًا بقرار مجلس الأمن 2216.

2. إعفاء اليمن من الديون الخارجية التي باتت عبئًا على أي محاولة للنهوض الاقتصادي.

3. تحويل الودائع السعودية والإماراتية السابقة إلى منح غير مستردة، مع ربطها بإصلاحات مالية صارمة.

4. تصفير رصيد السحب على المكشوف من البنك المركزي اليمني في عدن كشرط لبناء الثقة بالسياسة النقدية.

5. تعيين وزراء كفاءات في المالية والاتصالات من ذوي الخبرة الاقتصادية والإدارية، لضبط الإيرادات وفرض الشفافية.

 

خامسًا: الخلاصة

الدعم السعودي الأخير ليس أكثر من “مسكن مؤقت” يمنح الشرعية فرصة لالتقاط الأنفاس لكنه لا يمثل حلًا جذريًا. المطلوب هو انتقال من سياسة المنح الجزئية إلى استراتيجية شاملة لتمويل عجز الموازنة وإعادة بناء الاقتصاد على مدى طويل. ومن دون هذه الرؤية، سيظل اليمن عالقًا في دائرة الأزمات، فيما يبقى التحالف عالقًا مع شريك سياسي أساسي شكليًا لكنه غير موثوق به عمليًا.

تعليقات