ما يجري اليوم في تعز ليس خلافا سياسيا عابرا، بل انهيار أخلاقي مريع لنخبة كان فترض أن تكون في طليعة من يحلمون بوطن مختلف، بوطن عادل، لا يسفك دما ولا يحرض على قتل، ولا يتواطأ مع القتلة، التراشق الحاد بين أطراف النخبة في المدينة، حول مسؤولية حزب الإصلاح عما يحدث، أو الدفاع المستميت عنه وكأنه ملاك لا يسأل عما يفعل، لا يخدم تعز، ولا ينقذها، بل يغرقها أكثر في مستنقع الفوضى السياسية والأمنية..
في الوقت الذي تتبادل فيه هذه الأطراف الاتهامات، جرت جريمة بشعة، لم يعرف لها اليمنيون مثيلا في تاريخهم حتى في أقسى الحروب والصراعات، اغتيال امرأة بدم بارد في وضح النهار، في مدينة كان يفترض أن تكون محمية من عبث المليشيات ومن التوحش السياس، فالمرأة في ثقافة اليمني، حتى في أشد الصراعات، كانت خطا أحمر، وكانت معصومة بوعي جمعي لم تدنسه الدماء، أما اليوم، فكل شيء بات مباحا..
ولأن الجريمة صدمت الضمير الجمعي، كان يفترض أن يكون رد الفعل على قدر المصاب، أن يسارع المحافظ، ومدير الأمن، وقائد المحور، وقائد الشرطة العسكرية، وقيادات الأحزاب السياسية، إلى عقد اجتماع طارئ، يضع حدا لحالة الانفلات، ويقرر ـ بلا مجاملة ولا حسابات حزبية ـ ملاحقة الجناة، وفتح تحقيق جاد وشفاف، لمعرفة من يقف خلف الجريمة، ومن تستر، ومن حرض، ومن تواطأ، لا أن يتحول الأمر إلى بازار مفتوح للتصفية السياسية وتسجيل النقاط الحزبية الرخيصة..
نعم، حزب الإصلاح كان في مقدمة من واجه الحوثيين، ولا يمكن إنكار تضحيات كثير من أفراده في معركة الدفاع عن الجمهورية، لكن هذه الحقيقة لا تبرر أبدا التغاضي عن جرائم تقع في مناطقه أو باسم جماعات تنتمي إليه، ولا تشرعن الصمت عن الانفلات الأمني، ولا تعني أن من ينتقده خائن أو مندس، كما أن خصومه السياسيين ليسوا أنبياء، وبعضهم يركب موجة الدم لتصفية حسابات قديمة لا علاقة لها بالعدالة أو الدولة..
تعز اليوم أمام اختبار أخلاقي وتاريخي خطير، فالمدينة التي كان يفترض أن تقدم نموذجا للحكم المحلي الرشيد، وللدولة المدنية، باتت نموذجا للفوضى المقنعة بالديمقراطية الزائفة، وللتحشيد الإعلامي الذي لا ينتصر للضحية بل يستخدمها كأداة في معركة النفوذ..
الرجاء لا يكفي، ولا الأمنيات، فما زال في تعز نخب سياسية وثقافية واقتصادية قادرة على إنقاذ المدينة من السقوط التام، إن تخلت عن غرورها، وكسرت حاجز الصمت، وخرجت من قوقعة الولاءات الحزبية إلى فضاء المصلحة العامة..
المطلوب اليوم صوت دولة، دولة لا تنحاز إلا للعدالة، ولا تساوم على دم امرأة قتلت ظلما، ولا تكتفي بتبادل البيانات و”الهاشتاجات”، بل تتحرك ميدانيا، وتثبت أن تعز ما زالت جديرة بأن تكون قبلة الحالمين بوطن نظيف، لا قتلة فيه ولا مبررين للقتل..