في يمنٍ تمزقه الصراعات وتنهشه الخلافات يقف جيل كامل على مفترق طرق جيلٌ كان من المفترض أن يحمل راية المستقبل ويضيء دروب النهضة ولكنه اليوم يجد نفسه وقودًا لحروب لا ناقة له فيها ولا جمل حربٌ لا تُطلق فيها الرصاصات فحسب بل تُزرع فيها الأفكار وتُغسل فيها العقول ليتحول الأبناء إلى أدوات طيعة في أيدي المتصارعين.
في الشمال حيث يسيطر الحوثيون يتم صناعة جيل عقائدي دموي يُشحن بالكراهية ويُغرس في قلبه الولاء الأعمى لقادة لا يرون في الوطن إلا وسيلة لتحقيق مطامعهم مناهج تعليمية تُطمس فيها الحقائق وتُزور فيها الوقائع لتخدم أجندة الجماعة وتُرسخ أركان حكمها معسكرات تدريب صيفية تُغسل فيها الأدمغة وتُلقن فيها الشعارات ليخرج الأطفال والشباب وقد تشبعوا بروح القتال والتضحية في سبيل “القائد الملهم المختبئ بالكهوف” لم يعد التعليم نورًا يُستضاء به بل أصبح سلاحًا يُشهر في وجه كل من يخالف الرأي أو يعترض على السلطة.
وفي الجنوب حيث تنشط حركات الانفصال يسعى اصحاب الأجندات الخارجية والمصالح الشخصية إلى إنتاج جيل حاقد يرفض الوحدة وينظر إلى الشماليين بعين العداء والريبة يتم تضخيم مظالم الماضي وتجاهل كل ما يربط بين أبناء الوطن الواحد من تاريخ مشترك وثقافة متجذرة ومصالح متبادلة يتم استغلال مشاعر الإحباط واليأس لدى الشباب وتوجيهها نحو هدف واحد الانفصال واستعادة “الدولة الجنوبية” يتم تصوير الوحدة على أنها لعنة حلت بالجنوب وأن الخلاص الوحيد يكمن في التخلص من الوحدة.
بين هذا التيار وذاك بين جيل يُشحن بالكراهية والعنف في الشمال وجيل يتربى على الحقد والانقسام في الجنوب يضيع وطن بأكمله يضيع يمن الحضارة والتاريخ يمن العراقة والأصالة يمن الحكمة والشعر يضيع مستقبل الأجيال القادمة التي كان من المفترض أن تعيش في سلام وأمان وأن تبني وطنًا مزدهرًا وموحدًا.
إن أخطر ما في الأمر ليس هو الصراع المسلح الدائر على الأرض بل هو هذا التلاعب الممنهج بعقول الأبناء هذا التشويه المتعمد للوعي هذا التزييف للحقائق إننا أمام جريمة بحق الإنسانية جريمة تهدد بتقويض أسس الدولة والمجتمع وتدمر كل فرص المصالحة والسلام.
إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع الآباء والأمهات، المعلمين والمثقفين، رجال الدين والإعلاميين، السياسيين والقادة، يجب علينا أن ننتفض في وجه هذا الخطر الداهم، وأن نحمي أبناءنا من هذه السموم القاتلة يجب علينا أن نعود إلى قيمنا الأصيلة قيم التسامح والمحبة والتعايش وأن ننبذ كل أشكال الكراهية والعنف والانقسام.
يجب علينا أن نعلم أبناءنا أن الوحدة ليست خيارًا بل هي قدر وأن الاختلاف ليس نقمة بل هو نعمة وأن قوة الوطن تكمن في تنوعه ووحدته يجب علينا أن نزرع في قلوبهم حب الوطن والاعتزاز بتاريخه والإيمان بمستقبله يجب علينا أن نمنحهم الأمل وأن نفتح لهم آفاقًا جديدة وأن نؤمن لهم فرصًا متساوية في التعليم والعمل والحياة الكريمة.
إنقاذ الجيل الصاعد ليس مجرد واجب وطني بل هو ضرورة حتمية لبقاء اليمن إذا فشلنا في ذلك فإننا نحكم على وطننا بالضياع ونفتح الباب أمام المزيد من الصراعات والفتن فلنعمل معًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولنزرع بذور الأمل في قلوب الأبناء لعلهم يكونون الجيل الذي يعيد بناء اليمن ويحقق حلم الوحدة والسلام.