يشكل كتاب “التعايش الإنساني: الواقع والمأمول” للدكتور نجيب عسكر إضافة نوعية إلى الأدبيات الفكرية المعاصرة التي تبحث في قضايا الإنسان والعلاقات بين الشعوب والثقافات. يتميز الكتاب بعمق تحليله ورؤيته النقدية التي توازن بين استدعاء الماضي، وفحص الحاضر، ورسم ملامح المستقبل.
تحليل جذور الصراع والكراهية
يبدأ الكاتب بتأصيل تاريخي للعلاقات الإنسانية، كاشفًا كيف تحولت النزاعات حول السلطة أو الموارد أو الهوية إلى صراعات دامية أفرزت الكراهية بين الجماعات. ويرى أن تجاوز هذه الجذور يتطلب إعادة قراءة التاريخ لا بهدف اجترار المآسي، بل لفهم آليات الخلاف وتفكيك أسبابها.
مفهوم التعايش الإنساني
ينتقل الكتاب إلى رسم ملامح التعايش باعتباره ركيزة أساسية لبناء مجتمعات آمنة ومزدهرة. يؤكد عسكر أن التعايش ليس مجرد تسامح شكلي، بل هو ممارسة فعلية لاحترام الآخر، والقبول بالتنوع كقيمة إيجابية تغني الحضارات بدلًا من أن تهددها.


الإسلام والتعايش
في القسم الأهم من الكتاب، يتناول الدكتور نجيب عسكر موقع الإسلام من قضية التعايش، مبينًا أن النصوص الإسلامية وممارسات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تمثل أساسًا راسخًا للتسامح والعدل والاحترام المتبادل. ويستعرض نماذج تاريخية كوثيقة المدينة وعلاقات المسلمين مع الطوائف الأخرى، ليثبت أن التعايش كان ممارسة واقعية قبل أن يكون شعارًا.
بين الواقع والمأمول
يضع الكاتب القارئ أمام المفارقة بين واقعنا الراهن المليء بالصراعات والفرقة، وبين المأمول الذي يمكن أن يتحقق إذا ما التزم البشر بقيم الفهم والاحترام المشترك. يقدّم الكتاب دعوة صريحة إلى بناء مستقبل إنساني قائم على الحوار الحضاري، وتحرير الإنسان من قيود التعصب والتمييز.
يمثل كتاب “التعايش الإنساني: الواقع والمأمول” رؤية فكرية تحاول إعادة إحياء المعنى العميق للتعايش في زمن تغلب عليه الانقسامات. إنه ليس مجرد تحليل أكاديمي، بل دعوة مفتوحة للإنسان المعاصر كي يختار: إما طريق الصراع الذي جرّبناه طويلًا، أو طريق التعايش الذي يحمل الأمل لمستقبل أكثر إنسانية.