منبر حر لكل اليمنيين

الضربة الإسرائيلية للمليشيات الحوثية: تحولات في معادلة الصراع

أ.د.عبدالوهاب العوج

عندما تحارب المليشيات الحوثية اليمنيين و عاصفة الحزم للتحالف العربي وكذلك التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة و ما تقوم به إسرائيل في نفس الوقت، فإنهم يقدمون هذا الصراع ليس كعملية عسكرية تقليدية تُقاس بالنتائج الميدانية، بل كـ “تكليف إلهي” ورسالة سماوية، هذا الإطار الأيديولوجي يمنح العمل العسكري شرعية مطلقة داخلية، حيث يتم تصوير أي عمل ضد ما يسمى “العدو البعيد” (إسرائيل، أمريكا) على أنه واجب ديني يتجاوز المقاييس الدنيوية وادعاءات نصرة غزة (International Crisis Group, 2025).

الاستخدام السياسي للدعاية و”الممانعة”

تمارس المليشيات الحوثية استراتيجية دعائية مكثفة، حيث تخرج الحشود للهتاف وإطلاق “الصرخة الخمينية”، الهدف هنا هو خلق شعور جماعي بالمقاومة والصمود (“الممانعة”)، حيث يصبح التصفيق والشعور بالانتماء إلى مشروع “المقاومة” هو الغاية بحد ذاتها، بغض النظر عن التكلفة الفعلية على الأرض (Yemeni Observatory for Rights and Freedoms, 2025)، هذه الاستراتيجية تهدف إلى صرف انتباه الجمهور عن الإخفاقات الداخلية مثل الجوع والقمع والضرائب، وهو تكتيك مشابه لما استخدمه حزب الله في لبنان بعد حرب 2006م، حينما حوّل القصف الإسرائيلي إلى مادة لتغذية رواية “الانتصار الإلهي” رغم الدمار الهائل في الضاحية الجنوبية.

تحويل الهزيمة إلى نصر: آلية غسيل الدماغ

يتم تحويل الخسائر العسكرية إلى مكاسب دعائية، فعندما قُتل الآلاف من المقاتلين الحوثيين خلال السنوات الماضية نتيجة ضربات التحالف العربي، تم تسويق ذلك باعتباره “شهادة” وبرهاناً على الصمود، وحينما قصفت إسرائيل قيادات حوثية في أغسطس 2025 في حدة بصنعاء، تحولت الهزيمة إلى “دليل على مواجهة العدو الأكبر”، في هذه الآلية يصبح الدم “وقوداً” للرواية الحوثية، ويُكسبهم تعاطفاً داخلياً وخارجياً (UN Panel of Experts Report on Yemen, 2025)، وهي ذات القاعدة التي اعتمدها نظام الأسد “الهارب” في سوريا حينما صوّر التدخل الروسي منذ 2015 على أنه “شراكة وجودية” وليست تبعية عسكرية.

تاريخ من العنف والصراع الداخلي للهاشمية السياسية

لقد مارست المليشيات الحوثية ونظام ولاية الفقيه و”القائد العلم” القمع والتنكيل والمغامرة ضد خصومها المحليين، بدءاً من الحروب الستة ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بين 2004–2010، ثم انقلبت لاحقاً على صالح نفسه وقتلته في ديسمبر 2017، وهاجمت أحزاب اليمن وقبائله ونخبه. ما وصلت إليه الشرعية اليمنية والدول المجاورة مثل السعودية والإمارات من محاولة احتواء جماعةالحوثي فشلت، حيث يمكن القول إن الدعاية الحوثية من انها انتصرت عليهم جميعاً عبر مزيج من العنف والتحالفات المتغيرة (International Crisis Group, 2025)، ثم قامت بمهاجمة المصالح الأمريكية وتعرضت لضربات من إدارة ترامب لمدة 52 يوماً عام 2025م، لكنها خرجت من المواجهة مدعية أنها “كسرت إرادة ترامب” (New York Times, 2025).

الضربة الإسرائيلية: ذكاء استخباراتي أم ثغرة أمنية عابرة؟

قتلت إسرائيل رئيس الوزراء الحوثي وعدداً من الوزراء والمسؤولين في ضربة دقيقة أواخر أغسطس 2025م، أنكر الحوثيون مقتل القادة في البداية ثم اعترفوا لاحقاً بشدة الضربة (SABA News Agency – Houthi-run, 2025)، وفقاً لصحيفة Wall Street Journal (29 August 2025)، صرح مسؤول إسرائيلي أن المقاتلات قصفت قاعة مؤتمرات حيث كان يجمع كبار المسؤولين الحوثيين، مستغلة فرصة استخباراتية وقتية لاستهداف معلومات حساسة، بينما كشفت New York Times (2025) أن الاختراق الإسرائيلي للشبكات الإيرانية والحوثية مكّنها من تتبع تحركات الحراس والمرافقين عبر هواتفهم، وهي تقنية سبق لإسرائيل أن استخدمتها في اغتيال قيادات من حزب الله في سوريا ولبنان.

انعكاسات الاستهداف الإسرائيلي على الحوثيين

تستطيع إسرائيل بناء بنك أهداف مسبق ومراقبة المواقع عبر تقنيات متطورة، فعندما ترصد تجمع هواتف الحراس والمرافقين في مكان واحد تتخذ قرار الضربة بسرعة، سواء عبر غواصات في البحر الأحمر أو طائرات أو مسيرات (Jerusalem Center for Public Affairs, 2025)، ثم تراقب الأقمار الاصطناعية الموقع بعد الضربة لرصد الحركة وتقييم الأضرار، سرعة إنكار الحوثي ثم صمته لاحقاً تؤكد نجاعة الضربة وإصابة أهداف حساسة، هذا السيناريو يتكرر مع كل استهداف إسرائيلي لحزب الله في سوريا، حيث تنفي إيران أو حزب الله بدايةً ثم يعترفان بخسائر “محدودة”، ليتم استثمارها لاحقاً في خطاب “المقاومة”.

المشهد الإقليمي والضحايا الحقيقيون

الحذر للقيادات الإقليمية (السعودية والإمارات وسلطنة عمان) و التي تأمل في استقرار الأوضاع وانتهاء الصراعات المحلية و الإقليمية والدولية الأكبر في أوكرانيا والتجاريةالأوسعبين الصين وروسيا و الهند “مجموعة البريكس” مع امريكا و الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل التقاطعات الأمريكية الصينية والروسية (Foreign Policy, 2025)، لكن الضحية الحقيقية هو الشعب اليمني، الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم (World Food Programme, 2025)، بينما تستمر النخب في الصراع على الفتات وتغذية الدعاية، فاليمنيون اليوم يشبهون تماماً المدنيين في سوريا ولبنان والعراق الذين دفعوا ثمن مشاريع “الممانعة” بالصواريخ والجوع والدمار وكما هو حال اليمن و اليمنيين خلال العشرية السوداء التي نحن فيها ولا امل بانتهاء المأساة ما لم تحسم الشرعية والتحالف العربي والغرب بالدفع نحو معركة عسكرية والخلاص من الحوثي وتنهي معاناة اليمنيين.

السيناريوهات المستقبلية المحتملة:
أمام الضربة الإسرائيلية وما تبعها من فراغ قيادي في بعض مفاصل الجماعة، يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول:أن تكتفي المليشيات الحوثية بردود رمزية إعلامية وعسكرية محدودة، مثل إطلاق مسيرات تجاه البحر الأحمر أو السعودية لتثبيت صورة “المقاومة” دون مواجهة شاملة. الثاني:أن يدفع الإيرانيون الحوثيين نحو تصعيد أكبر، عبر هجمات على الملاحة أو استهداف قواعد أمريكية في المنطقة، كجزء من معادلة الردع الإقليمية. الثالث:أن يستغل التحالف العربي والإقليمي هذا الارتباك الحوثي لتصعيد الضغط العسكري، بما قد يؤدي إلى تقليص نفوذ الحوثيين في بعض الجبهات الداخلية، خاصة في مأرب والساحل الغربي.

وفي كل الأحوال يبقى اليمنيون هم الطرف الأكثر معاناة وخسارة، إذ يُستخدمون وقوداً لمعادلات إقليمية أكبر منهم بكثير، فيما تستمر المليشيات الحوثية وإسرائيل في حرب دعائية متبادلة، بينما يغيب صوت الضحية الحقيقية، الشعب اليمني.

أكاديمي ومحلل سياسي يمني.

تعليقات