منبر حر لكل اليمنيين

الحوثيون والمخدرات: من كارتلات البرازيل إلى البحر الأحمر… هل يتكرر نموذج فاركو الكولومبية؟

*أ.د. عبدالوهاب العوج

أثار الإعلان عن ضبط نحو ستمائة كيلوجرام من مادة الكوكايين القادمة من البرازيل والمتجهة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، صدمة كبيرة في الأوساط اليمنية والإقليمية، ليس فقط بسبب حجم الشحنة وقيمتها المالية، بل لما تحمله من مؤشرات على انتقال الحوثيين إلى مستوى جديد من النشاطات غير المشروعة، يتجاوز حدود التهريب التقليدي إلى الارتباط بشبكات الجريمة المنظمة العابرة للقارات، وهو مسار يذكّر بشكل مباشر بتجربة حركة فاركو الكولومبية التي تحولت من حركة تمرد أيديولوجية إلى واحدة من أكبر إمبراطوريات المخدرات في العالم خلال تسعينيات القرن الماضي (UNODC Report، 2023).

فإذا كان الحوثيون في سنوات الحرب الأولى قد اعتمدوا على الدعم المالي والعسكري القادم من إيران، وعلى موارد الدولة التي استولوا عليها بعد اجتياح صنعاء عام 2014، فإن المؤشرات الراهنة تكشف عن توجه متزايد نحو بناء اقتصاد موازٍ قائم على التهريب وغسيل الأموال وتجارة المخدرات، الأمر الذي يضع الجماعة في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي ويجعلها أقرب إلى وصف “كارتل سياسي-عسكري” منه إلى حركة مسلحة محلية (Foreign Policy، 2024).

إن اختيار مادة الكوكايين بالذات يحمل دلالة خاصة، فهي ليست سلعة شعبية في اليمن أو المنطقة بقدر ما تستهدف الأسواق الخارجية الثرية، خصوصًا في الخليج العربي وأوروبا، وهذا يعني أن الحوثيين لا ينظرون إلى المخدرات كمصدر تمويل داخلي فقط، بل كأداة للتغلغل في شبكات التوزيع الإقليمية والدولية.
ان هذه الخطوة تتقاطع مع ما فعلته فاركو في كولومبيا حين تحولت من حركة يسارية متمردة إلى حليف لشبكات تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة وأوروبا، مما وفر لها مليارات الدولارات سنويًا ومكّنها من تمويل آلة عسكرية وإعلامية ضخمة (International Crisis Group، 2016).

التشابه بين الحوثيين وفاركو لا يقتصر على التمويل، بل يمتد إلى البعد السياسي. فكما استخدمت فاركو أرباح المخدرات لفرض نفسها كقوة سياسية تفاوض الدولة الكولومبية من موقع قوة، يسعى الحوثيون اليوم إلى تعزيز مكانتهم في أي تسوية سياسية قادمة من خلال بناء موارد مالية ضخمة خارج سيطرة المجتمع الدولي، الأمر الذي يمنحهم قدرة على الصمود والابتزاز في مفاوضات السلام، وهو سيناريو يثير قلق الأمم المتحدة والدول الغربية التي تدرك أن دمج جماعة تمتلك اقتصادًا إجراميًا في السلطة سيؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أداة بيد شبكات عابرة للحدود (Brookings، 2022).

ومن زاوية إيرانية، فإن تشجيع الحوثيين على الانخراط في تجارة المخدرات يمثل استمرارًا لاستراتيجية طهران التي استخدمتها مع حزب الله في لبنان ومع النظام السوري خلال العقد الماضي، حيث جرى توظيف تجارة الحشيش والكبتاغون كمصدر تمويل أساسي للحروب بالوكالة، وأداة لإضعاف المجتمعات الخليجية والعربية عبر نشر السموم وتقويض النسيج الاجتماعي (Carnegie Middle East، 2021). ومن هنا تبدو شحنة الكوكايين القادمة من البرازيل ليست مجرد حادثة جنائية معزولة، بل جزءًا من نمط متصاعد يعكس هندسة استراتيجية تهدف إلى تحويل اليمن إلى نسخة معدلة من “دولة الكبتاغون” السورية.

غير أن المقارنة مع فاركو تضع الحوثيين أمام معضلة كبرى. ففي حين نجحت فاركو في كولومبيا في بناء معاقل جغرافية محمية داخل الغابات والجبال، وتوسيع نفوذها لعقود قبل أن تخضع لعملية سلام شاقة، فإن الحوثيين يعملون في بيئة إقليمية مختلفة، حيث الموانئ اليمنية والبحر الأحمر تحت المراقبة الدولية، والولايات المتحدة ودول الخليج تضع تهريب المخدرات ضمن أولوياتها الأمنية. ومع ذلك فإن التاريخ يعلمنا أن التجارب الإجرامية العابرة للحدود قادرة على التكيف والمناورة، وهو ما يجعل الحوثيين مرشحين لتكرار سيناريو فاركو ولكن على ضفاف البحر الأحمر بدلاً من غابات الأمازون (UN Security Council Report، 2024).

إن ما يثير القلق اليوم هو أن ضبط شحنة واحدة قد يكون مجرد رأس جبل الجليد، وأن ما لم يُكشف بعد ربما يفوق ذلك بكثير، خصوصًا إذا ما أُخذ بعين الاعتبار حجم الاحتياجات المالية للجماعة وتعدد جبهاتها القتالية والإعلامية. وإذا كان المجتمع الدولي قد تأخر عقودًا في إدراك حجم ارتباط فاركو بالمخدرات حتى تحولت إلى إمبراطورية توازي الدولة، فإن الفرصة ما تزال قائمة لتفادي تكرار التجربة في اليمن عبر تشديد الرقابة الدولية على الموانئ البحرية والجوية، وتجريم أي تعاملات مالية أو تجارية مشبوهة مرتبطة بالحوثيين، وربط ملف المخدرات مباشرة بمسار السلام اليمني.

في المحصلة، فإن شحنة الكوكايين القادمة من البرازيل ليست مجرد قضية جنائية، بل مؤشر استراتيجي على دخول الحوثيين في مرحلة جديدة من التمويل غير المشروع، وهي مرحلة تعكس بوضوح انتقالهم من حركة متمردة محلية إلى فاعل في شبكات الجريمة المنظمة العالمية، الأمر الذي يجعل مقارنتهم بتجربة فاركو الكولومبية ليست مبالغة بل وصفًا دقيقًا لمسارهم المحتمل خلال السنوات القادمة.

*أكاديمي ومحلل سياسي يمني

تعليقات