في البلاد التي أرهقها ضجيج البنادق وضوضاء السياسة، وفي زمن تتسابق فيه الألسن قبل الأقدام ثمة رجل ظل يختبر الصمت كما يختبر آخرون شهية الكلام…
جلس أحمد علي عبدالله صالح الواقف على ضفة الأحداث بحكمة المتأني، لا يطارد الأضواء، ولا ينزلق إلى صخب المنابر، يحسب خطواته كما يحسب القائد مسار المعركة قبل أن تبدأ وكأنه يدرك أن بعض المعارك تُكسب قبل أن تُخاض.
للتو عدت بذاكرتي من ماضٍ سحيق، حيث كان يستطيع الرجل أن يحرك جيوش العاطفة وشهوة السلطة، وأن يكتب اسمه ديكتاتورا يملأ الساحات بالشعارات والخطب لكنه أبى، أبى إلا أن يكون عسكريا يتقمص صفات المدني، يجمع في شخصه انضباط الميدان ورحابة الفكر، وهو أشبه بما قاله ماركوس”القوة الحقيقية هي أن تملك نفسك حين تملك كل شيء” .. وهكذا يمضي بخطوات بطيئة لكنها واثقة، يترك للأيام أن تكشف ما تُخفي، وللآخرين أن ينهكوا أنفسهم في قراءة ملامحه، ولعلني استشهد بعبارة كتبها أحد الصحفيين اليمنيين ـ ذات يوم ـ وتركها بالقرب من شيشته الالكترونية:”كُن غيابًا لتظل سؤالا”..
وها هو السؤال الكبير في عرس صخر أخيه والأحفاد يدخل كما يدخل فصل من ملحمة قديمة لا يتقدمه سوى صمت مهيب ولا يرافقه سوى ثقل المجد المتراكم في ملامحه، الزمان ينحني ليفسح له الطريق، والقاعة بما فيها من صخب وضجيج تصمت لحظة مروره كأنها تستعيد قول نيتشة ..”ثمة حضور يفرض نفسه بلا صوت”.. وهنا على شفتيه ابتسامة لا تعطيك سرها لكنها تتركك مشغولا تفتش عن معانيها حتى بعد غيابها..
وسؤال اللحظة:هل تمشي خلف نجل الرئيس الأسبق ظلال التاريخ، وتتسع أمامه فسحة المكان، حتى بدا المشهد كمن يلتقط أنفاسه، ليتحول المشهد بعد ذلك لمادة خام للمادحين والقادحين، للشامتين والمحللين، ويكأن حضوره يوقظ في الناس شهوة الكلام، ويعيد رسم شيء خفي لحكاية كاملة مؤجلة .. فهذا أحمد علي وفي الأيام خفايا..
* من صفحته في فيس بوك.