منذ العام 2011، ومع تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في اليمن، بدأت تظهر على السطح مصطلحات وتصنيفات اجتماعية قديمة بوجه جديد، لكنها تحمل نفس المضمون الإقصائي والانتقاصي، بدأ البعض – في خضم النقاشات السياسية أو الخلافات الحزبية – يستخدم مصطلحات مثل “مزين”، و”قبيلي”، و”سيد” ليس بهدف توصيف الواقع، بل للتقليل من شأن الآخر أو نزع المشروعية عنه، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى إنسانية..
هذه المفردات، التي ربما كانت حاضرة في بعض المناطق بشكل خافت قبل 2011، تحولت بعد ذلك إلى أدوات هجومية تُستخدم علنًا في الخطاب، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن المجتمع اليمني بدأ يبحث عن صراعات فرعية ليهرب من صراعه الحقيقي مع الفساد والاستبداد والفقر..
وفي هذا المناخ المنقسم، استطاع الحوثي أن يوظف هذا الانبعاث الطبقي لمصلحته، لم يخلق هذه التصنيفات، لكنه تبناها، وغذاها، ومنحها مشروعية دينية وسياسية، خصوصا في خطابه الذي يروج لـ”السلالة” و”الحق الإلهي” في الحكم، بالنسبة له، التراتبية ليست مجرد تقليد اجتماعي بل مبدأ تأسيسي لبناء سلطته..
المفارقة الصادمة أن بعض من يكررون هذه المفاهيم، أو يدافعون عنها، يعيشون في دول أوروبية ديمقراطية، حاصلين على جنسيتها، ويتمتعون بحقوق كاملة دون أن يسألهم أحد عن “أصلهم الاجتماعي” أو إلى أي طبقة ينتمون، في تلك المجتمعات، قيمة الإنسان تقاس بمدى التزامه بالقانون، وإسهامه في المجتمع، لا بلون بشرته أو اسمه الأخير أو نسبه..
فما الذي يدفع الإنسان اليمني في المهجر – الذي يعيش المساواة واقعًا – إلى استحضار تراتبية اجتماعية بائدة في نقاشاته حول بلده الأصلي؟
قد يكون الشعور بالانتماء مفقودًا، أو الرغبة في التفوق على خصمه، فيلجأ البعض إلى التقليل من خصمه ووصمه بأنه مزين أو من أسرة يهودية، وكأنه يريد تعويض نفسي عن واقع لا يملك فيه نفوذًا حقيقيًا..
ما فعله الحوثي، إذًا، لم يكن مجرد انقلاب سياسي أو عسكري، بل اختراق للعقل الجمعي اليمني، وتحويله إلى مسرح لصراعات داخلية عبثية، فبدلًا من أن تتوحد القوى الوطنية ضد مشروعه الرجعي، تنشغل بشرعية “السيد” و”القبيلي” و”المزين”، وتفقد بوصلتها الأخلاقية والوطنية..
التحدي القادم أمام اليمنيين ليس فقط إسقاط الحوثي، بل إسقاط المفاهيم التي أعاد إحيائها، وإعادة الاعتبار لفكرة المواطنة المتساوية كأساس لأي مشروع وطني، فالوطن لا يُبنى بالأنساب، بل بالعدالة، ولن يتحرر اليمن ما دام بعض أبنائه يقيمون بعضهم البعض بمعايير ما قبل الدولة!.