منبر حر لكل اليمنيين

الكراهية المصنعة في جنوب اليمن: حين يجرد أبناء الأرض من انتمائهم

د. عادل الشجاع

في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها اليمن، وتحديدًا جنوبه، تطفو على السطح موجة متزايدة من الكراهية الممنهجة، تستهدف رموزًا تاريخية وشخصيات وطنية كان لها دور محوري في تشكيل ملامح الجنوب السياسي والاجتماعي، هذه الكراهية لا تأتي غالبًا من الداخل وحده، بل يشارك فيها من هم في الخارج، أولئك الذين اتخذوا من المنفى منصة لإعادة كتابة التاريخ وفق أهوائهم ومصالحهم الجديدة..

وصلت الكراهية إلى الرئيس الراحل عبد الفتاح إسماعيل، أحد أهم القادة الذين حكموا الشطر الجنوبي من اليمن قبل الوحدة، ومؤسس الحزب الاشتراكي اليمني، والذي يعد من أكثر الشخصيات جدلًا وتأثيرًا في التاريخ السياسي للجنوب، تُشن عليه اليوم حملات نزع للانتماء، واتهامات بمحاولة “تغريب” الجنوب، وكأن التاريخ يمكن اختزاله في رأي أو اجتثاثه بقرار سياسي أو نزوة عاطفية..

لم يكن عبد الفتاح إسماعيل طارئًا على جنوب اليمن، بل كان نتاجًا لتلك البيئة الاجتماعية والسياسية التي نشأت في عدن والمناطق المجاورة، حيث تبلورت أفكار التحرر، والنضال ضد الاستعمار البريطاني، فقد ساهم إسماعيل في صياغة مشروع سياسي طموح، سعى من خلاله لتأسيس دولة مؤسسات قائمة على العدالة الاجتماعية والتعليم والمساواة، حتى وإن اتفق البعض أو اختلفوا مع السياسات التي اتبعت في عهده..

لكن المثير للسخرية والقلق في آن، أن من يجرد اليمنيين من انتمائهم، هم في أحيان كثيرة أشخاص يعيشون خارج اليمن، بعضهم لاجئون سياسيون أو مهاجرون حاصلون على جنسيات دول أوروبية، أو دبلوماسيين يمارسون وظيفتهم باسم الجمهورية اليمنية وقد لا تكون لهم صلة فعلية على الأرض كل ما يملكونه شعارات متطرفة تقتات على الكراهية..

تبرز مفارقة مؤلمة بالنسبة لمن يعيشون في المنفى، وينعمون بحماية قوانين دولة أوروبية تمنحهم حرية الرأي والمعتقد، أن يتحولوا إلى أداة لنفي الآخر وتجريده من حقه في الانتماء، بل كيف يتمادى البعض في الخارج في احتكار الحديث باسم “الجنوب”، وينكرون على اليمنيين تاريخهم، وحقهم في الاختلاف والاجتهاد؟.

الكراهية ليست مجرد شعور سلبي، بل أداة هدم فعالة، تُستخدم لطمس الذاكرة، وخلق أعداء وهميين، وتكريس الانقسام داخل المجتمع الواحد وما نراه اليوم لدى البعض في بعض المحافظات الجنوبية هو محاولة ممنهجة لإعادة رسم الهوية الجمعية على أسس إقصائية، تقسم الناس إلى “أصيل” و”دخيل”، وفق معايير ضبابية تتغير بتغير المصالح والانتماءات السياسية..

اليمن — شمالًا وجنوبًا — لا يحتاج إلى مزيد من الكراهية، بل إلى مراجعة صادقة وشجاعة للتاريخ، تعترف بالأخطاء وتُقدر الإنجازات ويحتاج الجنوب بشكل خاص إلى مصالحة مع ذاته، ومع ماضيه، بكل ما فيه من رموز واختلافات وتنوع، بدلًا من أن يتحول إلى ساحة صراع مفتوح لاجتثاث الرموز والهوية الوطنية وإعادة تشكيل الذاكرة الوطنية..

خاتمة:
ما يصنع في الجنوب من كراهية، لن يبني دولة، ولن يوحد شعبًا، بل سيزيد التمزق والانفصال النفسي قبل السياسي، علينا أن نتجاوز خطاب التخوين والتجريد من الهوية، نحو لغة تتسع للجميع، وتؤمن أن الوطن أكبر من الأفراد، وأبقى من الخلافات، بدون ذلك سنعيش حالة التمزق النفسي والمجتمعي وسييعم الخراب بدلا من التنمية..

تعليقات