الأساليب الإيرانية الحوثية في تصفية القيادات والرموز الوطنية اليمنية: من التنقيص إلى الانقضاض
رياض الأكوع
منذ بداية تدخلها الخفي ثم العلني في الشأن اليمني، اعتمدت إيران استراتيجية خبيثة ومركبة لتفكيك البنية الوطنية والمجتمعية لليمن، وخصوصًا عبر تصفية القيادات والرموز السياسية والمشائخية والاجتماعية التي تمثل صمّام أمان للهوية اليمنية الجمهورية والعروبية. هذا المشروع لم يعتمد فقط على القوة المسلحة عبر ميليشيا الحوثي، بل ركّز بشكل جوهري على الاستهداف الناعم والمدروس الذي يفضي إلى إفراغ الساحة من القيادات المؤثرة، تمهيدًا لاحتلال الهوية اليمنية نفسها.
أولًا: التنقيص الاجتماعي — ضرب المكانة والهيبة
تبدأ الخطة الإيرانية بعملية “التتقيص الاجتماعي” للرموز الوطنية، من خلال التقليل من شأنهم بين أبناء مناطقهم، وتشويه تاريخهم، ونزع صفة الاحترام التي يتمتعون بها. يتم هذا عبر أدوات إعلامية وتربوية ومجتمعية، مثل:
اختلاق قصص ومواقف ملفقة للنيل من الكاريزما الشعبية.
تقديمهم في المجالس الشعبية والمدرسية كـ”فاسدين”، أو “خونة”، أو “أنانيين”.
ترويج روايات تبخّس من دورهم التاريخي والوطني، مقابل تضخيم دور شخصيات تابعة للمشروع الإيراني.
ثانيًا: التشويه الفردي للسمعة — اغتيال الشخصية
بعد التنقيص، تأتي مرحلة اغتيال السمعة الفردية. فكل رمز وطني يتم استهدافه بحملات تشويه منهجية تطاله في:
الشرف والنزاهة.
الذمة المالية.
علاقاته القبلية أو السياسية.
يتم ذلك عبر وسائل التواصل، وخُطب الجوامع، وشهادات مدفوعة من أقرب الدوائر، لخلق “قابلية مجتمعية” لنبذ الرمز.
ثالثًا: التفريغ البيئي — محاصرة الحاضنة الاجتماعية
تسعى الميليشيات المدعومة من إيران إلى تفريغ البيئة المحيطة بالرمز الوطني، عبر:
تجنيد المقرّبين منه كأدوات استخباراتية.
إغراء أعوانه بالمال أو المناصب.
تفكيك شبكته الاجتماعية والقبلية أو إخضاعها بالقوة أو الترغيب.
يتم حرمان الرمز من أي قدرة على التأثير، تمهيدًا لعزله.
رابعًا: تلويث وعي الأطفال — ضرب المستقبل
الاختراق الأخطر هو في استهداف العقول الصغيرة. يتم:
تشويه صورة القيادات الوطنية في مناهج التعليم والمراكز الصيفية.
تقديم قادة المشروع الحوثي كأبطال ورموز تاريخية.
تقسيم المجتمع الواحد داخل الأسرة والقرية على أسس طائفية وفكرية.
بالتالي، ينشأ جيل ينظر إلى رموزه الحقيقية كأعداء، ويقدّس أعداء الوطن كهُداة وقادة.
خامسًا: الإنهاك — كسر الإرادة
القيادة المستهدفة يتم إنهاكها بشكل منهجي عبر:
الملاحقة المستمرة.
سحب الموارد.
عرقلة العمل المؤسسي أو الخيري.
استدعاءها المتكرر للتحقيق أو الترهيب، حتى تُستنزف تمامًا معنويًا وماديًا.
سادسًا: العزل — تهيئة الساحة
بعد الإنهاك، يُصار إلى عزل الشخصية المستهدفة عن المجتمع والدولة، ومنعها من التواصل أو العمل السياسي، عبر:
تجميد دورها في المؤسسات.
منع زياراتها أو مشاركاتها.
مراقبتها أمنياً.
العزل يخلق فراغًا مقصودًا يسهل ملؤه بعناصر موالية للمشروع الإيراني.
سابعًا: الانقضاض — التصفية أو التحييد
المرحلة الأخيرة هي الانقضاض، الذي يتم عبر:
الاغتيال الجسدي.
الاعتقال والسجن.
النفي القسري.
أو “الاحتواء المشروط” في حال قبلت الشخصية الدخول في المشروع الإيراني كواجهة مستسلمة.
ثامنًا: “الحوار – الشراكة – الانقضاض”: تكتيك الثلاث مراحل
من أخطر الأساليب الإيرانية التي تمارسها أدواتها الحوثية، هي معادلة:
الحوار ثم الشراكة ثم الانقضاض.
تبدأ باستخدام خطاب الانفتاح واستدراج القيادات للمشاركة، ثم احتوائهم مرحليًا، وبعد أن يتم تفريغهم من دورهم وتفكيك محيطهم، يتم الانقضاض عليهم بالتصفية أو العزل أو التحقير.
خاتمة
ما تواجهه اليمن ليس مجرد ميليشيا مسلحة، بل مشروع فارسي طويل النفس يسعى لإعادة صياغة الهوية اليمنية والذاكرة الجمعية. ولتحقيق ذلك، يركّز المشروع الإيراني على تفكيك البنية القيادية الوطنية عبر مراحل التنقيص والتشويه والتفريغ والإنهاك والعزل والانقضاض.
مواجهة هذا المشروع تتطلب إعادة الاعتبار للرموز الوطنية، وكسر دائرة الشك والاتهام التي يُراد للمجتمع أن يدور فيها، وبناء وعي جمعي يفرّق بين العدو الحقيقي وأدواته التي ترتدي عباءة اليمن زيفًا.