سيدي الزعيم، لم أكن يومًا مخطئًا حين تغنّيت بك، ورأيتك الأب والقائد، والرمز الذي لا يشبهه أحد. لم أعرف فيك إلا الصدق، ولم أرَ في سواك حكمةً ولا شجاعةً ولا كرامةً تضاهي ما كنت عليه.
أذكر جيدًا ذلك اليوم الذي زرت فيه مأرب. كنتُ أترقب لقاءك، أترصّد اللحظة التي أراك فيها بعيني. وعندما لمحت يدك تلوّح للجماهير، شعرت كأن روحي ستفارق جسدي من فرط الانفعال وهيبة الموقف. ومرّت أعوام، وكنت في صنعاء عام 2011، وما زال يقيني راسخًا بأنك الرجل في زمن عزَّ فيه الرجال، وأنك القائد حين تتساقط الأقنعة وتنهار العناوين.
كنت صادقًا حين دعوتهم إلى كلمة سواء، وشجاعًا حين قلتها صريحة مدوّية: “لا عاصم لكم من بعدي.”
كنت تؤمن بكلمتك، وتقاتل من أجلها، ولم تكن تخشى في الحق لومة لائم. وكنتُ أقولها في كل مجلس وبكل فخر: “صالح لا سواه.”
ليتهم أنصتوا إليك حين قلت: “تعالوا أُعلّمكم الزعامة، أُعلّمكم القيادة.” لكنهم أعرضوا، وقالوا في كبرياءٍ أجوف: “نحن المتعلمون، نحن حملة الشهادات، كيف نتعلم من رجلٍ لا يحمل مؤهلاً أكاديميًا؟”
ويا للمفارقة…
ماذا أنجز علمهم؟
وماذا قدمت شهاداتهم؟
ضاع الوطن، وتاه الشعب، وتبعثرت القيم… وكانوا هم في صدارة المتفرجين، بل المتسببين.
أما الآخرون — من عبدربه إلى محسن، وحميد، وباسندوه — فلم يكونوا في نظري إلا سرابًا، ووهمًا، وظلالًا باهتة لرؤية مشوّشة، لم تخلّف إلا الغبار والدخان والخذلان.
واليوم، بعد كل هذه السنوات، انكشفت الحقائق، وثبت ما كنت وحدك تعرفه وتؤمن به: أنك كنت القوي الأمين.
أما اليوم، فقد أصبح الوطن رهينة لزمرة من الطامعين، تسعة، وربما عشرون أو أكثر، يتنازعون على سلطة هزيلة، ويغرقون في خلافات أنانية، مذهبية، وحزبية. كلٌّ منهم يدّعي أنه الأفضل… ولا ندري بماذا؟
والمؤتمر؟ لم يبقَ منه إلا أسماء تُعرض على الشاشات: “الأمين العام، النائب، العضو”… ولكن لا أحد منهم يمثلنا، ولا يحمل ما كنا نحمله من وفاءٍ وانتماء.
لم نعد نرى فيهم سوى رمادٍ تذروه الرياح.
والإصلاح؟ أين هو؟ ذاك الذي كان يفاخر بالحشد، ويتغنّى بالقدرة والمباغتة؟ تلاشى كأنه لم يكن.
أما الذين اعتلوا منابر المساجد والساحات، وادّعوا الديمقراطية والمعرفة والشهادات، فقد انكشف زيفهم ورحلوا بلا أثر، كما يرحل الغبار بعد العاصفة.
أين هم اليوم؟
أين تلك الأصوات التي زعمت أنها حرّرت الوطن وبنت الدولة؟
ذهبوا، وذهبت شعاراتهم معهم، وبقيت أنت وحدك… الحقيقة الثابتة.
كنت حاضرًا في صعدة، والحديدة، وحضرموت، وفي كل شبر من تراب اليمن.
وكنت أنا، المواطن البسيط، أطوف هذا الوطن شماله وجنوبه، فأراك في كل زاوية، في كل ظل، في كل قلب نابض بالوطنية.
كنت السند، والحامي، والقائد.
وداعًا يا أشجع الرجال، وأصدقهم، وأنقاهم سريرة.
وداعًا لمن كان اسمه يعني شيئًا، وصوته يهزّ المدى.
وتفٍّ على كل من خان، وتفٍّ على كل من تزيّا بلباس لا يليق به، وتكلم بلسان لا يعبّر عن ضمير حي.