ليس مستغربًا أن تعود أصوات الفشل والتشظي لتهاجم رموز الدولة والنظام، كلما لاح في الأفق أملٌ بعودة التوازن الوطني. فالمقال الأخير للكاتب فتحي أبو النصر المعنون بـ”عودة الجنرال الصامت”، ليس إلا استكمالًا لسلسلة طويلة من محاولات اغتيال المعنويات وتشويه الرموز، تعبيرًا عن فشل ما يُسمّى “شباب الثورة” وحاضنتهم السياسية التي أوصلت البلاد إلى هذا الدمار الشامل.
أولًا: هل كان أحمد علي عبد الله صالح “صامتًا”؟
تساؤل الكاتب عن صمت أحمد علي لا يُبنى عليه شيء. فالرجل خدم الجمهورية أكثر من 30 عامًا في المؤسستين العسكرية والدبلوماسية، وعندما صدر القرار الجمهوري بتسليمه قيادة الحرس الجمهوري التزم بذلك دون تمرد أو تحشيد، رغم أن الحملة التي استهدفته كانت واضحة، فقط احترامًا للدستور ولمبادرة الخليج وآليتها التنفيذية التي وقع عليها الفرقاء عام 2011.
هذه الروح المؤسسية والانضباط العسكري تُسجّل له، لا عليه. فحين قرّر الآخرون الهروب أو التحريض أو المكايدة السياسية، حافظ أحمد علي على موقعه كضابط دولة، لا زعيم ميليشيا.
ثانيًا: إسقاط التهم على الحرس الجمهوري تضليل فج
إن الادّعاء بأن الحرس الجمهوري كان “أداة عائلية” ليس إلا خطابًا شعبويًا مفلسًا. والدليل أن من تولى قيادة اللواء الثالث حرس جمهوري عام 2012 لم يكن أحمد علي، بل اللواء عبد الرحمن الحليلي، بقرار من الرئيس هادي نفسه ضمن قرارات هيكلة القوات المسلحة الصادرة في 6 أبريل 2012.
بل إن القرارات التالية (قرار رقم 16 لسنة 2013 وقرار رقم 104 لسنة 2012) تضمنت إعادة تنظيم شامل للقوات المسلحة، وتقسيم الجمهورية إلى 7 مناطق عسكرية، وتعيين قياداتها من مختلف التوجهات والانتماءات. فأين هذه “العائلية” المزعومة؟
إن من يقرأ الواقع جيدًا، يعلم أن الحرس الجمهوري كان أحد أكثر التشكيلات العسكرية تدريبًا وانضباطًا، وما تم بعد 2011 كان تفكيكًا ممنهجًا لمؤسسات الدولة تحت غطاء “الهيكلة”، وليس إصلاحًا.
ثالثًا: الصمت في زمن الفوضى حكمة وليس خيانة
في الوقت الذي انشغلت فيه بعض النخب بـ”ترندات الفيسبوك” ومهاترات “المسيرات”، كان أحمد علي مقيّدًا بعقوبات أممية منذ 2015 (رفعت في أغسطس 2024)، ولم يكن يحمل أي منصب رسمي أو سياسي، بل ظلّ في الظل ملتزمًا بكل قواعد القانون الدولي والدبلوماسي.
الذين يطلبون منه المواقف اليوم، هم أنفسهم الذين استأثروا بالسلطة طيلة عقد، فماذا فعلوا؟ أين البرنامج الوطني الذي بشّرونا به؟ هل حقّق “شباب الثورة” الكهرباء؟ الدولة؟ العدالة؟ أم نقلوا اليمن إلى صومال آخر؟
رابعًا: أكذوبة التوريث
لا يوجد في تاريخ الجمهورية اليمنية مرشح أو مسؤول قال إن أحمد علي سيكون وريثًا لوالده. هذه شماعة تم تسويقها للهدم فقط. أحمد علي ليس مرشحًا عائليًا، بل رجل دولة يمتلك خبرة سياسية وعسكرية ودبلوماسية حقيقية، ويملك قاعدة جماهيرية واسعة، خاصة بعد أن أثبت ولاءه للجمهورية وابتعاده عن العبث في مرحلة الانهيار.
أما عن من سيحكم اليمن؟ فهذا قرار وطني، لا يقرره كاتب غاضب، بل يقرره الشعب اليمني بصندوق الاقتراع، وبمشروع وطني حقيقي يعيد الاعتبار للجمهورية.
خامسًا: فشل منظومة “الثورة”
إذا كان فتحي أبو النصر يتحدث باسم “شباب الثورة”، فليسأل نفسه:
أين ذهبت الدولة بعد 2011؟
من سهّل للحوثي اقتحام صنعاء؟
من ساهم في تسليم مفاصل الدولة عبر مؤتمر الحوار الوطني المفخّخ؟
من وافق على إدخال الميليشيا إلى السلطة تحت غطاء “الشراكة والسلم”؟
الجواب معروف: منظومة اللقاء المشترك، ومثقفو الأجرة، الذين تقاسموا الحكومة والوزارات، وفشلوا حتى في إدارة وزارة الكهرباء.
سادسًا: رفع العقوبات وإعادة التوازن
إن رفع العقوبات الأممية عن أحمد علي عبد الله صالح لم يكن محض صدفة، بل جاء بعد جهود سعودية وإماراتية، وإجماع إقليمي ودولي على أن اليمن بحاجة إلى رجال دولة حقيقيين، لا “شعارات ثورية” مفلسة.
الرجل اليوم قادر على الحركة السياسية، ولديه رصيد كبير من الخبرات، وحان الوقت أن يقدّم رؤية وطنية شاملة لمواجهة الحوثي، وإنقاذ الاقتصاد، وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
وأخيرًا:
لسنا بحاجة إلى شعارات “لا للحوثي ولا للتوريث”، بل نحتاج إلى رجال يملكون مشاريع، لا أحلام يقظة.
فأحمد علي ليس جنرالًا صامتًا، بل جندي جمهوري صادق التزم الصمت حين كان الصراخ خيانة، وسيتكلم حين تكون الكلمة مشروعًا وطنياً، لا ثرثرة حزبية.
ولذلك نقولها بكل وضوح:
لا للحوثي، لا للفوضى، لا للإخوان، نعم للجمهورية ومؤسساتها، نعم للخبرة والانضباط، نعم للرجال الذين لا يبيعون الدولة باسم الثورة.