ذهبتْ أعمارُ النّاس ومَعها ذهب الوطن والحياة نتيجة لأسلوب الحياة الفج الذي فرضته قوى سياسية غشيمة تعاملت مع الواقع كأنه ملكية خاصة وجزء من موروث عقائدي متطرف في الرؤية والمنفعة الجمعية وفي استشراف القادم.
ولعل صراع النخب السياسية المعول عليها في تطبيع الحياة والحفاظ على ما تبق من إمكانيات قد جعل من الخارطة بقعة مفككة اشبه باللغز، إضافة إلى انقيادها خلف قرارات ومطامع أحادية واصطفافها تحت راية وطن لم يعد حاضرا بالشكل الذي يحلم به الناس ناهيك عن استدعاء الماضي وجلد الذات والآخر بأثر رجعي.
الشاهد من هذا كله هو اعمال العقل وإثبات الموقف فيما يخص مليشيا الحوثي الإرهابية، بعيدا عن البرجماتية واللغة الناعمة والتضخيم من قبل بعض الباحثين والسياسيين وتصوير الأمر على أنه إنجاز سياسي وتاريخي.
لا بد من تعرية هذه الجماعة دون مواربة وتجاوز العُقد حتى لا تتحول إلى معضلة، وكبح جماحها، ومحاولة محاسبتها حول ما تقوم به في الداخل اليمني وما تمارسه بشكل ممنهج.
كما يجب الوقوف بحزم أمام منظمات المجتمع المدني التي تساعد على استمرار هذه الجماعة وتُصورها على أنها علة لا بد منها في أحسن الاحوال، وبالقدر نفسه اتخاذ موقف من المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي كان لها يد في إطالة أمد الصراع تحت شماعة العمل الانساني والتقارب السياسي بين الأطراف كلها.
وقد مثل الدور السياسي الضبابي للأشقاء في التحالف العربي خاصة في السنوات التي تلت ايقاف الهجمات جزءا من تفاقم الوضع المعيشي والامني ومنح المليشيا فرصا متتالية عبر حوارات فاشلة ووساطات مفخخة، جعلوا منها كيان لزج يتحرك بأريحية ويناور مَن حوله مثل سمكة القرش.
الحوثية جماعة عنصرية كهنوتية، يجب التعاطي معها على هذا الأساس، وبناء مواقف حازمة، أما لغة التنظير ومسألة الحياد فقد تعب الجميع منها بما فيهم الوسطاء وجزء كبير من المجتمع الدولي فكل يوم نَسقُط أمام ممارستها المكشوفة.
الحوثية كيان لا يجب أن يستمر، ولا يجب أن يعول عليه لا في الحرب ولا في والسلم، وخاصة بالشخوص والقيادات الموجودة التي بنت حولها هالة من القداسة تحت يافطة الاصطفاء، والممارسات اليومية، في أماكن العمل والتعليم، في الشارع والإعلام وفي المناسبات وفي تكريس المفاهيم وتوسعة المراكز الصيفية على حساب الحياة.
اتساع دائرة الفساد ونهب المقدرات ودائرة الجبايات والمساس باقوات البسطاء ورأس المال الوطني وحياة المزارعين وتكريس ثقافة العطاء بشكل معكوس جزء من إهدار لكرامة المواطن واذلاله.
إن تفكيك الجماعة من خلال التفاصيل الموجودة في الداخل والتي تقوم بها بشكل يومي، هي الركيزة التي يجب أن ننطلق منها وننتهي عندها، ما عدا ذلك نعرف كل ما تقوم به لخدمة إيران، إطالة أمد الصراع من أجل الاستمرار، وهي امتداد واضح لمشروع امامي متخلف وهذا الكلام ليس مكررا ولا للاستهلاك إنما هو الحقيقة والشر الذي لا بد منه.
كل هذا لا يعني تقليلي مما يطرحه السياسيين في منصات التواصل والقنوات والبودكاست من قراءة للمشهد وتفصيل خيارات المواجهة والتحولات اليومية ومحاولة استنهاض الواقع وتغيير هذا المسار المرهق.
دراسة الجماعة وجذورها وأهدافها ممتاز لكن لا يعني أن نظل عند هذه المعلومات دون أن يكون لنا رأي واضح وصريح، وتقديم الحلول وعمل مصدات في كل المحافل، هذه الجماعة كفرت بانعم الله، كفرت بأجمل ما في الوجود وهو الإنسان والمجتمع ونسيجه.