منبر حر لكل اليمنيين

إيران وإسرائيل حربٌ ضَرُوس ودُروس

د. طه حسين الهمداني

بمجرد النظر إلى صراع إيران وإسرائيل الأخير وربطه  بالأحداث التي كانت غزة مسرحًا داميا لها، وما تلاها من تصعيد، يمكن استشراف حجم التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط والتي تجاوزت الحسابات العسكرية وكشفت عن حجم القدرات للجانبين ورؤية النظامين الإقليمي والدولي وتقاطعاتها.

هذه التطورات مثلت اختبارًا  لمنظومة الردع وتماسك النظامين من الداخل، وعلى الجانب الآخر بينت مفهوم الشرعية في السياسات الدولية إن جاز التعبير.

للتوضيح أكثر انكشفت الاستراتيجية الإيرانية مقارنة بما كانت تمارسه بالوكالة لسنوات، والتي اعتمدت على أذرعها في المنطقة كأدوات لممارسة الضغط حتى تم إجبارها على المواجهة المباشرة.

ليس هذا وحسب فقد أثبتت الاختراقات الإسرائيلية لأجهزة الدولة وبنيتها من خلال ضربات موجعة تمثلت في اغتيال عدد كبير من العلماء والقادة العسكريين نقاط ضعف خطيرة في بنية وهيكلة النظام ما جعل منه صورةً مشوهةً أمام العالم.

وقد شكل عملاء الموساد الذين لا حصر لهم والطيران المسير الذي انطلقا من الداخل الإيراني حلقة مفقودة لدى هرم النظام الذي ظهر عاجزا خلال اثنا عشر يوماً ولم يستطع السيطرة.

هذا الاختراق ليس مجرد فشل أمني، بل يعكس تفوقًا استخباراتيًا وهيكليًا خطيرًا يثير تساؤلات عن التماسك الداخلي للنظام الإيراني مستقبلاً.

الأمر الأبرز هنا هو تأكيد الاحداث على استمرار العلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل مهما اختلفت الإدارة، وهي الضامن الاستراتيجي لبقاء وأمن الدولة العبرية، وإثبات تفوق وهيمنة الولايات المتحدة كصانعة للقرار الأول، كما أظهر الرئيس الأمريكي قدرة عالية على التلاعب والمرونة وتقرير من يملك سلاحاً نوويا ومن لا يملك.

الأهم من كل ما سبق هو عجز النظام العربي عن التأثير والتماسك في موقف مشترك، فالبعض كان في موقع المتفرج، والآخر في موقع المتواطئ أو المرتبك، وهي نفس المعضلة التي سمحت بتعاظم أدوار إقليمية أخرى بما فيها إيران وإسرائيل.

أضف إلى كل ذلك غياب دور الأمم المتحدة في واحدة من أكبر الأزمات وأكثرها عنفًا وتأثيرًا منذ سنوات، وهو ما يأتي في سياق الخيبات المتتالية لهذه المنظمة، أيضا ضبابية القرار الأوروبي واستقلاليته أمام الهيمنة الغربية.

الكشف عن هشاشة التحالفات وتبخر ما سمي بمحاور المقاومة وفشل الالتقاء التام عند نقطة واحدة، الأمر ينطبق على روسيا والصين شرقاً وأذرع إيران التي غذتها لأكثر من أربعة عقود في الشرق الأوسط.

كما تم الكشف عن وجه آخر للمواجهات من خلال تبادل مواعيد الضربات، وتحديداً بين أمريكا وإيران والتي بدأت في العام 2020.

هذه المواجهات تجاوزت الحرب بالوكالة إلى المباشرة وظهرت تقنيات جديدة تم استخدامها بخبث ومكر من قبل إسرائيل، ما يفتح باب الأسئلة والتحسبات أمام جيل جديد من المعرفة والتقنية والعقول.

وتظل المسألة الاقتصادية والخسائر الفادحة والأضرار التي لحقت بالمنشآت والبنى التحتية نوافذ مشرعة لما يمكن عمله مستقبلاً وكيف يمكن لعب كل الأوراق في إطار معركة متكافئة.

كل ما سبق هو جزء من تفاعلات واردة لا تحتاج إلى أي توضيحات أكثر مما هي موضحة، فقط يبقى أمام الجميع استحضار اللحظة واستشراف المستقبل دون أي تحفظات حتى نكون بمستوى الأحداث والصراعات.

تعليقات