هكذا في بلاد نُصب فيها الأمن شعارا، والاستقرار لافتة مضيئة على مداخل المحافظات، تأتيك مأرب – مدينة الحضارة والتاريخ – بمشهد درامي يعجز عن تأليفه أسوأ مخرجي هوليود: هجوم على محل آيس كريم!
لا، لسنا في “كوميديا سوداء”، نحن في واقع يقطر سخرية، إذ تحولت المقاطعة من موقف حضاري إلى مسرحية عبثية فيها الكاميرا تصور، والعقول تغيب، والقانون… في إجازة.
والحق يقال إن فرع باسكن روبنز في مأرب لم يكن مصنعا للسلاح، ولا مقرا للتجسس، ولا حتى مركز دراسات غربية. بل مكانا يبيع الآيس كريم للعائلات.
ومع ذلك، تعرض لهجوم علني – بوجوه مكشوفة وعدسات فاضحة – وصل حد التهجم على قسم العائلات، وتصوير النساء، وكأن الأمر مجرد فيديو ترند جديد على تيك توك، لا انتهاكا صارخا لحرمة الإنسان وخصوصية النساء وكرامة الوطن!
بالتأكيد العار لا يكمن فقط في من اقتحم وصور، بل في كل من برر وسكت وصفق.
أي إن تحول “المقاطعة” إلى عدوان صريح يفضح مدى الانحدار الأخلاقي والثقافي الذي نصافح يوميا بحفاوة تحت مسمى “الوعي”.
ولكن من قال إن المقاطعة سلوك همجي؟ المقاطعة فعل ناضج، يبدأ من القناعة وينتهي بالسلوك السلمي. أما ما حدث في مأرب، فهو أقرب إلى العصابات منه إلى الاحتجاج.
ثم ما ذنب الزبائن؟ ما ذنب العاملين؟ هل أصبحت الحياة الخاصة خاضعة لمزاجية المتحمسين؟ وهل التصوير في الأماكن الخاصة صار وسيلة لإرهاب الناس باسم الفضيلة؟ وما هي “الرسالة” من اقتحام محل حلوى؟ أن نحرر القدس بملاعق المثلجات؟ أن نهزم المحتل بحملة تشهير على العائلات؟
فيما المشكلة الأعمق ليست في الاعتداء، بل في الصمت الرسمي الذي يلوح بخطرٍ أكبر: حين يغيب القانون، تظهر الفوضى كبديل طبيعي. وحين لا يحاسب من يصور ويشهر، يصبح الباب مفتوحا للجميع أن يمارسوا دور “الشرطي المجتمعي”بحجة الدين أو الغيرة أو الوطنية.
ومع الوقت، تصبح الدولة مجرد خلفية ديكور في مسرح بلطجة يومي.
لذلك أيها العقلاء – إن وُجدتم – حاكموا هذا السلوك لا باسم باسكن روبنز، بل باسم الكرامة الوطنية. فكل من دخل ليصور النساء، كل من نشر المقاطع، كل من هاجم بدعوى “المقاطعة”، هم ليسوا ابطالا… بل أدوات انفلات، شركاء في فوضى تهدد السلم المجتمعي في مأرب.
ثم لا التخويف
لا للفوضى
نعم للدولة