منبر حر لكل اليمنيين

الحرب الدائرة وقدرات الطرفين

عبدالناصر المودع

(1)

رغم امتلاك إسرائيل لقدرات تقنية واستخباراتية متقدمة، فإن تفوقها على إيران يظل محدودًا نسبيًا. فهي قادرة على تنفيذ ضربات جوية في عمق الأراضي الإيرانية، وهي ميزة لا تمتلكها طهران، إلا أن هذه القدرة تخضع لقيود عملياتية واضحة. فالمقاتلات الإسرائيلية تُجبر على الطيران لمسافات بعيدة، محمّلة بذخائر محدودة، ما يجعل كلفة كل عملية باهظة، ويزيد من احتمالات سقوطها سواء بفعل الدفاعات الجوية الإيرانية أو نتيجة لأعطال فنية محتملة.

في المقابل، تمتلك إيران ورقة ضغط فعالة تتمثل في ترسانتها الواسعة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، ما يمنحها القدرة على توجيه ضربات مستمرة داخل العمق الإسرائيلي لفترات طويلة، قد تمتد لأشهر، لا سيما إذا اقتصرت الهجمات في كل مرة على عشرات الصواريخ. هذا التوازن النسبي في القدرة على الإضرار المتبادل يُبقي الطرفين في حالة استنزاف دائم، دون قدرة فعلية على الحسم.

(2)

أخطر ما في الأمر احتمال استخدام أسلحة الدمار الشامل من طرفي الصراع. فمع تعثر كل محاولات الحسم التقليدي، قد تتجاوز الدولتين الخطوط الحمراء لتغيير قواعد الاشتباك بالقوة. فإسرائيل، وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية غير معلنة، قد تلجأ إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد منشآت إيرانية محصنة بعمق لا يمكن اختراقه بالوسائل التقليدية. ومع أن مثل هذا الخيار محفوف بعواقب استراتيجية كارثية على المستوى الإقليمي والدولي، إلا أنه لا يُستبعد تمامًا في حال رأت القيادة الإسرائيلية أن الخيار النووي هو الوسيلة الوحيدة لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية.

في المقابل، لا يُستبعد أن ترد إيران بأسلحة غير تقليدية هي الأخرى، إذ تُتهم منذ سنوات بامتلاك وتطوير قدرات في مجالي السلاحين الكيميائي والبيولوجي، رغم إنكارها ذلك رسمياً. وفي حال تعرضت منشآتها الحيوية أو مراكز قيادتها لهجوم نووي أو مدمر شامل، قد تعتبر طهران أن الرد بأسلحة دمار شامل هو “خيار الضرورة”. حدوث هذا السيناريو، سيشكل لحظة انفجار إقليمي لا تقتصر تداعياته على طرفي الصراع فحسب، بل ستطال كامل الشرق الأوسط، وقد تُغرق العالم في أزمة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. فاستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا سيعني انهيار قواعد الاشتباكات التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتكسر الحاجز النفسي والسياسي أمام استخدام هذه الأسلحة، وهو ما سيخلق عالمًا أشد خطورة.

(3)

لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، بل إن السياق العام يشير إلى أن المنطقة تتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظل غياب أي ملامح لحسم استراتيجي أو تسوية سياسية شاملة. فرغم الضربات التي نفذتها إسرائيل في العمق الإيراني، إلا أن هذه العمليات لم تسفر حتى الآن عن نتائج استراتيجية حاسمة توقف البرنامج النووي الإيراني أو تُغيّر قواعد اللعبة.

تعليقات