منبر حر لكل اليمنيين

ما بعد إيران.. من سيتبنى يُتم الحوثي؟!

عبدالرحيم الفتيح

لقد طُويت صفحة إيران كقوة مؤثرة، وبات الحديث عن وضعها الراهن مجرد ترفٍ سياسي، فإيران اليوم لم تعد قادرة على الانخراط حتى في مشاورات سلاحها النووي، وقد أصبح في خبر كان، كما أنها باتت أسيرة صراع مع الجميع. حضورها في طاولات القرار الإقليمي سيصبح شبحًا، وصوتها لن يتجاوز صدى بيانات العواصم التي لفظها التاريخ.
إن أي حديث عن عودة إيرانية إلى صدارة المشهد، أو عن استعادتها لدور “القطب الإقليمي الفاعل”، يتطلب تحولاً جذريًا يتجاوز حدود الزمن، وبعثًا نوويًا من رماد مشروعها المجهض.

لقد انتهى الدور الإيراني كقوة مؤثرة. وكل ما بقي منها هو نظام يتشبث بآخر خيوط الوجود، وأصبح الحديث الاسرائيلي- الأمريكي اليوم عن إجازة قتل الخميني من عدمه.
في الأطراف… يقف الحوثي يواجه لحظة الحقيقة.
كان بالأمس مجرد ذراع، فإذا به يجد نفسه الجسد الوحيد المتبقي. وكان يتوكأ على سند فارسي، فإذا بالسند يتهاوى، ويُترك الواقف في مهب الريح.

الآن، بعد أن أُسقطت إيران إلى مرتبة الضحية التي تلبست ثوب الغطرسة، يتصدر السؤال البسيط المأساوي. من يا ترى سيحتضن هذا الكيان الذي بات يتيمًا؟

الخيارات باتت محدودة، والأفق السياسي أكثر ضيقًا.
الخيار الأول: الاحتماء بالرداء السعودي. وهذا خيار قديم-جديد، يتردد الحوثي في الإفصاح عنه علنًا، لكنه يغازله في الخفاء كلما ضاق به الأمر. غير أن المملكة العربية السعودية، على النقيض من إيران، تمثل دولة ذات مؤسسات، تمتلك أدوات الترميم والوساطة والدبلوماسية، وهي أدوات غائبة عن أصحاب الشعارات المقدسة. لقد دأبت المملكة على التعامل مع الكيانات السياسية كأنظمة حكم، فدعمت الإمامة ككيان حاكم، وما أن استقر الحكم الجمهوري، حتى سارعت للاعتراف به وتقديم الدعم له.
السعودية تمنح الشرعية لمن يمتلكها، لهذا فإن أقل ما يمكن أن تفعله أن تضمن بقاء المليشيات كطرف سياسي أو كيان اجتماعي في اليمن، غير أنها سترفضه بالمطلق كطرف حاكم… وهو ما لن يرضي المليشيات، لهذا ستتجه نحو خيارها الرئيسي.. امريكا

الخيار الثاني: التوجه نحو واشنطن.
هذا الأمر ليس غريبًا كما يبدو. لقد أظهر الحوثي، طوال صراعه مع الشرعية، تركيزًا لافتًا على الحراك الدبلوماسي في الولايات المتحدة، موجهًا جل طاقاته نحوها، وهي بالمناسبة، المقر الرئيسي للعديد من القيادات الهاشمية. إن الحوثي الذي استمد قوته من واشنطن للانقلاب على السلطة في اليمن، هو ذاته من أرسل إشارات الود لأمريكا عبر الوسيط العماني، متجاوزًا في ذلك حليفه الإيراني الذي بات ممزقًا.

إن ارتماء الحوثي لحضن أمريكا، ليس وليد اللحظة، لطالما كلن الحوثي تجسيدا لثنائية متناقضة، تجمع بين الولاء المذهبي الفارسي، والبراغماتية الاستخباراتية الأمريكية. بين قنديل الولاية المزعومة، وضوء السفارة البراغماتي.

لكن لماذا أمريكا؟
استطاعت اسرائيل بضوء امريكي أن تحدث اختراقا مذهلا في بنية النظام الإيراني، وأدواته القديمة، لكنها لم تستطع فعل ذلك في البنية الهلامية لمليشيات الحوثي، لأن الموقف الأمريكي تجاه الحوثيين ضبابي إلى درجة قصوى.
واشنطن هي من تمنح الشرعية لمن يفتقدها، وهي من تضيء الطريق لمن يقايض الدماء بالهدوء.
وواشنطن، التي تبحث اليوم عن أدوات توازن جديدة في اليمن بعد أن استهلكت أدواتها القديمة، ورفضت أن تستقبل الشرعية في الرياض، كما رفضت التعامل مع الشرعية بحجة انقسامها الداخلي، قد تجد في الحوثي ورقة صالحة للمساومة، لا للعداء المطلق.
ففي عالم الجيوبوليتيكا، لا تُقاس الولاءات بما يُعلن، بل بما يُفعل.
وعليه، فإن الحوثي، إن لم يدفن شعاراته في رمال الصحراء، فإنه سيدفنها في جيب المفاوض الأمريكي، تحت راية الواقعية السياسية.
وبين الاحتمال بالرداء السعودي… أو الوقوف على عتبة سفارة من كانت عدوًا…
سيجد الحوثي نفسه كمن يفتح صفحة جديدة بحبر لم يجف بعد من فمه، وكأن التاريخ يعيد كتابة نفسه.
وإن كانت إيران قد انحسرت كـ”دولة راعية”،
فالذراع الذي فقد راعيه، إما أن يتكسر تحت وطأة الضغوط، أو أن يُباع لمن يدفع الثمن الأعلى، أو لمن يغض الطرف عن تجاوزاته.
وفي كل الحالات…
هذا هو زمن ما بعد إيران، زمن الكيانات التي فقدت هويتها، وباتت تبحث عمن يعيد تعريفها من جديد.

تعليقات