منذ يوم أمس، والمواقع الإخبارية والقنوات الإعلامية تقرع طبول الحرب، وتلوّح بإشارات التصعيد في أكثر من اتجاه. غير أن قراءة متأنية للمعطيات السياسية والاقتصادية تشير إلى أن لا أحد من الأطراف الكبرى يملك الاستعداد الفعلي للذهاب إلى مواجهة شاملة في هذا التوقيت.
فالحسابات الجيوسياسية المعقدة تفرض نفسها بقوة، والأوراق تُفعَّل وفق إيقاع محسوب بعناية. ومن ذلك ما أعلنته الولايات المتحدة مؤخرًا عن وضع سفاراتها في حالة طوارئ، وهي إشارة ضغط لا تُقرأ بمعزل عن سياق المفاوضات غير المعلنة. دونالد ترامب لا يسعى إلى خوض حرب ولا إلى إنفاق عسكري مفتوح، في وقت تُظهِر فيه إيران استعدادًا لولوج مسار تفاوضي قد يتضمن تنازلات غير متوقعة.
في نهاية المطاف، الحرب هي الاقتصاد. والاقتصاد اليوم هشّ، ليس فقط في إيران، بل حتى في الداخل الأمريكي الذي يواجه ضغوطًا مالية هائلة. فهل ثمة استعداد حقيقي من الطرفين لتدهور اقتصادي جديد؟
أما إسرائيل، فهي تعيش أزمة داخلية يختلط فيها الأمن القومي بالحسابات الشخصية لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وهي أزمة يمكن للولايات المتحدة – إن أرادت – أن تضع حدودها وتتحكم بمآلاتها.
يبقى أن نرصد موقع دول الخليج في هذه اللوحة، حيث تمتلك هذه الدول أوراقًا مالية مؤثرة قد تُستخدم لترجيح كفة الخيار السياسي أو العسكري. غير أن هذه الأوراق أيضًا تُدار بحذر، خشية الانجرار إلى صدام شامل تتجاوز تداعياته حدود المنطقة.
تاريخ الحروب الكبرى يقول إن قرار إشعالها لا يصدر عادة عن رجال الدولة بقدر ما يتخذ على يد هواة، أو في لحظة تهور تستدعيها “ضرورة قصوى” عندما يُعلن الأمن القومي في خطر داهم. وحتى هذه اللحظة، لا يبدو أن هذا الحدّ قد تم تجاوزه بعد.