طبعا في لحظة اختنق فيها الصمت، رحلت تقية الطويلية، تلك التي لم يكن صوتها مجرد غناء، بل كان حياة تُغنّى، وجسارة تُعزف، ونضال يُهمس به على أوتار الوطن.
رحلت بصمت لم تعرفه يوما، بعدما واجهت الضجيج القاسي للحياة، وواجهت الموت مرارا، وواجهت مجتمعا أدار وجهه عنها لأنها غنت، فقط لأنها غنت.!!
على إن تقية لم تكن فنانة عادية، كانت امرأة من زمن آخر، من زمن لا يُنجب أمثالها كثيرا.
امرأة صعدت على خشبة المسرح كما يصعد المقاتلون إلى الجبهات، امرأة غنت في المتارس لا من أجل شهرة، بل من أجل وطن كانت تحبه بصوتها وتداويه بأغنياتها.
غنّت حين كان الغناء جريمة، وحين كان صوت المرأة يُخنق قبل أن يُسمع، لكنها غنت، وكأنها تعرف أن صوتها سيبقى، حتى إن غاب الجسد.
في الحقيقة لم تكن تقية الطويلية فقط مطرب كانت قصة، كانت ذاكرة وطنية، حافظة لأغاني الريف، ومُبشرة بالثورة، وصوتا أنثويا أصيلا انتزع حقه من بين أنياب التقاليد.
غنت للزرع، وللحب، وللأمهات، ولليالي الأعراس، كما غنت للجنود في الخنادق، وحملت لليمنيات صوتا كن يفتقدنه.
كانت تحب الحياة رغم كل ما فيها، وكانت تقف على المسرح كمن يتحدى العالم، بابتسامة خجولة، وثوب شعبي، وصوت يحمل وجع النساء وفرحهن في آن معا.
اليوم، تنطفئ هذه الشعلة، ويرحل هذا الصوت، لكن صداه سيبقى، في ذاكرتنا، وفي تراب الوطن الذي أحبته، وفي أعراس الريف التي كانت تحييها بحب.
السلام لروحك يا سيدة الطرب، يا أول الحكايات، يا آخر الألحان النقية الخالدة.
نامي مطمئنة، فصوتك لن يموت.!