منبر حر لكل اليمنيين

الثورات لا تتحقق بالشعارات… بل بالتضحيات ووحدة الصف

د. جمال الحميري

لا توجد ثورة في التاريخ ولدت مكتملة أو تحققت بأحلام اليقظة والخطب الرنانة. فالثورات الحقيقية تُصنع في ميادين النضال، وتُروى بدماء الأحرار، وتُبنى على وعي الشعب واستعداده للتضحية من أجل الخلاص من الظلم والفساد والهيمنة. واليمن ليست استثناءً.

اليوم، وبعد سنوات من الحرب والتشرذم، تتضح أكثر من أي وقت مضى الحاجة الملحة لإعادة تصويب المسار الوطني. إن استمرار الانقسام، وتعدد مراكز القوى، وتشتت القرار العسكري والسياسي، لا يخدم سوى المليشيا الحوثية التي تمكنت – مستغلة هذا التشرذم – من التوسع وفرض أجندتها بقوة السلاح.

لقد آن الأوان لوقفة حقيقية مع الذات، ولوعي جماعي بأن استعادة الدولة اليمنية لن تكون ممكنة إلا عبر وحدة الصف العسكري والسياسي. إن توحيد القوات العسكرية في مأرب والساحل الغربي والضالع وصعدة، وغيرها من الجبهات، تحت غرفة عمليات مشتركة، ليس ترفاً، بل ضرورة وطنية عاجلة. التشرذم العسكري والسياسي الحالي يُطيل أمد المعركة ويستنزف الجميع، ويمنح المليشيا الحوثية فرصاً إضافية للتمدد والسيطرة.

ولن تكون هناك دولة تُستعاد أو تُبنى، في ظل حكومة غائبة عن الميدان، مقيمة في فنادق العواصم العربية والأجنبية، منهمكة في تقاسم المناصب والصراعات الشكلية على وزارات لا وجود لها فعلياً على الأرض. إن الشعب اليمني بحاجة إلى قيادة وطنية شجاعة، تقوده من قلب المعركة، لا من عواصم الشتات.

ما تحتاجه اليمن اليوم ليس المزيد من الوزارات الوهمية أو الخطابات الرنانه، بل إرادة حقيقية لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وقرارات حاسمة لتوحيد الجهد العسكري والأمني، واستراتيجية وطنية شاملة تُعيد الاعتبار للهدف الرئيسي: استعادة الدولة من قبضة المليشيا الحوثية، وبناء يمن موحد مدني ديمقراطي، يُحترم فيه القانون ويُحتكم فيه إلى صناديق الاقتراع لا فوهات البنادق.

الثورات لا تنجح بالرمزية ولا بالشعارات، بل بالعمل والتضحية وتنحية المصالح الشخصية والجهوية لصالح الوطن. وهذه هي اللحظة الفاصلة التي ستحدد ما إذا كنا نملك القدرة على صناعة نصرٍ حقيقي، أم سنُكرر أخطاء الماضي وندفع الثمن مجدداً.

تعليقات