منبر حر لكل اليمنيين

من اللصوصية إلى المنصة.. حين يحاضر المجرم في فن الجريمة

مصطفى المخلافي

في الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة اليمنية المُباركة، خرج علينا حمود سعيد المخلافي من إسطنبول، لا كلاجئٍ إخواني يستحي من ماضيه، بل كخطيبٍ يعلو منبره ليقتبس من الوحدة مالا يشبهه، خطاب ممل وركيك يُحاكي تماماً عبدالملك الحوثي في نبرته وسلوكه، ويكاد ينافسه في عدد الشعارات الزائفة والعبارات المنفوشة، كان الخطاب ببساطة، إعلاناً بأن الزمن قد انقلب، وبأن المجرم بات يُملي على الضحية دروس كيف يكتب تاريخ موته.

في العام 2008، اندلع بيننا وبين حمود المخلافي خلاف على مزرعة قات في مخلاف، “حُول العُور” كان خلافاً بسيطاً في الظاهر، لكنه تحول إلى نزاع دامٍ، سقط فيه عشرة رجال من الطرفين، وما إن هدأت النار حتى تدخلت وجوه القبائل، فانعقد صلح هش بيننا وبينه أخفى الجمر تحت الرماد، ثم تحول الأمر بعد ذلك إلى أحقاد، كان العام 2011م المحطة التي اتاحت للمخلافي تصفية خلافاته مع خصومه بالطريقة التي شاهدها العالم في تعز، وكيف أدار التنظيم الإخواني هذه المعركة مع خصومه بخبث لا نظير له.

ثم جاءت فوضى 2011، وكنت شاهداً يوم خرج المخلافي من صلاة الجمعة التي اسموها “جمعة السلاح” في إشارة واضحة لإعلان تمردهم على الدولة والنظام والقانون، يومها قال لوالدي بلهجة المنتشي هذه ثورة شعبية لاستعادة حقوق الشعب اليمني وحقوق أبناء الجنوب والمظلومين في صعدة، ولن تُسترد هذه الحقوق إلا باجتثاث عفاش وحاشيته، فرد عليه والدي بحكمة من جرب الخصومة معه، ردوا حقوق الناس التي في أعناقكم ثم حدثونا عن حقوق الشعب.

وكم من مرة سمعناه يصرح في مقابلاته مع قناة سهيل بأن الثورة جاءت لأجل المظلومين في صعدة وفي الجنوب وذكر بالنص الحراك الجنوبي، الذين كانوا يرفعون شعار الردة والانفصال والمناطقية، بينما كان يمهد هو وجماعته “الإخوان المسلمين” الطريق للانقلاب الحوثي، في الشمال، وللانفصال في الجنوب، نكاية في الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح.

ولذا يجب التنويه إلى أن هؤلاء كانوا أول من سلوا سيوفهم على الدولة، وأول من صفق للتمرد الحوثي، وأول من نادى وطالب بتقرير المصير ورد ما اسموه الحقوق لأهلها، ومن خان البدايات يا حمود، لا يؤتمن على النهايات.

ما زالت تتردد في أذهاننا كلمات اليدومي كوقع خنجر على خاصرة الحقيقة، حين قال بلا مواربة، نحن شركاء مع الحوثيين لأنهم أصحاب قضية عادلة ولديهم مظلومية، شركاء في ماذا؟ في تقويض الدولة، وفي خيانة الحلم الجمهوري، وفي تسليم العاصمة لمن جاء ينسفها بالطائفية وبالدم.

عودوا إلى تعز، إلى حيث الشوارع التي تعرت منكم ومن نخوتكم، عودوا إلى هذه المدينة التي جزأتم جغرافيتها وأبنائها كما تُجزأ وتُقسم الأضحية، تعالوا إلى المعركة التي تتحدثون عنها، هناك في شارع الستين الذي لا يفصلكم عنه سوى مرمى حجر بينكم وبين ميليشيا الحوثي، حيث يحاصر مدينة بأكملها مئة فرد من جحافل الساقط عبدالملك الحوثي، تعالوا وقاتلوه إن كنتم تملكون ذرة رجولة، هذا إن كنتم فعلاً تؤمنون بثورتكم التي لم تجلب لكم سوى العار.

اليوم حمود يحدثنا عن القيم الأخلاقية من داخل قصر في اسطنبول، ويظن بأن ذاكرتنا مثقوبة، عن أي اخلاق تتحدث، وأنت الذي أفرزت لنا كل هذا الدمار، اقتحمت السجن المركزي في تعز وأطلقت سراح القتلة والمجرمين ليصيروا لاحقاً جنوداً لك، يعبثون في أمن واستقرار تعز، يسفكون الدماء في الأحياء والشوارع، ويخوضون معركتهم الحقيقية ضد الدولة لا ضد ميليشيا الحوثي.

ثم أنكم لم تأتوا بحلول، بل بأحقاد مؤجلة، وبأحلام مكسورة ومشوهة، وبسكاكين خبأتموها تحت رايات الشعارات، لينهار وطن على أياديكم.

من اسطنبول، حيث يعزف المنفى لحناً دافئاً، يتقمص حمود المخلافي دور رئيس غير معلن، تماماً كما تفعل توكل كرمان، حين تغني للثورة من نوافذ الفنادق، كلاكما يا حمود ترك اليمن يحترق، ثم عدتما لتنشدا أغاني الحب من بعيد، النضال يا حمود لا يُلقى عبر الأقمار الصناعية، ولا يُؤدى بتصريحات مخابراتية، النضال لا يسكن في حقائب السفر، ولا يُكتب من داخل القصور في تركيا.

نعيش في زمن عجيب، حيث يصعد أبناء المخابرات الأجنبية على منابر النضال، زمن مختل يمشي على رأسه، حيثُ يتسلق الأوغاد على منابر النضال كما يتسلق العطش على جدران بئرٍ مهجورة، حمود مجرد ذيل طويل في جسد مخابراتي ضخم، تحركه يد ليست يمنية، وتكتبه مخيلة ليست وطنية، الكل يريد أن يبدو قائداً، بينما الحقيقة أنكم مجرد دمى على رقعة شطرنج، تتحركون على أهواء من يصرف عليكم وعلى أهاليكم.

أليس من السخرية أن من حول اليمن إلى كانتونات فوضى، يأتي اليوم ليبكي على وحدة الوطن؟ كأن قاتلاً يعود إلى مسرح الجريمة، لا ليبدي الندم، بل ليعلمنا كيف نحمي أنفسنا من القتلة!.

حمود وشلته من تعز إلى مأرب إلى اسطنبول، لم يكونوا يوماً مشروع وطن، كانوا دائماً مشروع ارتزاق وعمالة، مشروع نفوذ خارجي، ومشروع تمكين شخصي على حساب جماجم تنزف، واليوم بعد أن أتموا عملهم القذر، يريدون التحدث بإسم اليمن.

يا حمود أنتم لستم أنصاف رجال ولم تكونوا كذلك، أنتم مجرد دمٍ مسكوب على فخوذ وطن مذبوح.

تعليقات