في 22 مايو 1990، اجتمع اليمنيون على وطن، لكن في 22 مايو 2025، نجد أنفسنا نبحث عن اليمن ذاته.
تلك اللحظة التي وقّعت فيها الوحدة بين شطري الوطن لم تكن لحظة سياسة فحسب، بل كانت لحظة ولادة شعور جماعي بالانتماء، بالفخر، وبأن “اليمن كبير ويتسع للجميع”.
لكن الحقيقة المؤلمة هي أن الوحدة التي ولدت من صدور الشرفاء، ماتت على أيدي الميليشيات، والفاسدين، والمرتزقة.
ميليشيات الشمال: حين لبس اللص ثوب الثورة في صنعاء، اختطفت الميليشيا الحوثية الدولة، واغتالت روح الجمهورية باسم “الولاية”، رفعت السلاح ضد اليمنيين، ورفعت شعارات طائفية مزّقت النسيج الوطني، صادرت مؤسسات الدولة، ونهبت المال العام، وشرّدت الشعب، ثمّ راحت تتحدث عن “السيادة” وهي تستجدي إيران لتمدّها بالسلاح والمواقف.
أي وحدة يتحدث عنها هؤلاء؟ وهم يريدون يمنًا على مقاسهم، لا وطنًا يحتضن الجميع.
الشرعية: سلطة من ورق وحكومة منفى وعلى الجانب الآخر، نجد حكومة شرعية غارقة في الفساد، عاجزة عن إدارة مدرسة، ناهيك عن وطن.
تحوّلت إلى كيان يعيش في الفنادق، يوزع المناصب كهبات، ويبيع الوهم للشعب.
نهبت موارد البلاد، وتاجرت بدماء الجنود، وصارت شريكة في صناعة المأساة بدلًا من أن تكون بداية للحل.
من حقنا أن نسأل:
هل هذه هي الشرعية التي حلمنا بها؟
أم أنها مجرد واجهة لفساد منظّم ينهش الجسد اليمني باسم “استعادة الدولة”؟
وأما من يرفعون اليوم راية “الانفصال”، فهم أكثر من ارتزق على حساب القضية الجنوبية.
لم يقدّموا مشروعًا وطنيًا، بل تحوّلوا إلى أدوات وأطماع للخارج، ينفذون الأجندات، ويتحركون بالدفع المالي، ويزرعون الكراهية في كل خطاب، كأن الوطن لا يسع إلا منطقة واحدة وراية واحدة.
هم لا يبكون على عدن، بل على حصص النفوذ والمكاسب، ويقتلون “الوحدة” وهم لا يؤمنون أصلًا بالجنوب كوطن مستقل، بل كمزرعة مصالح يُدار من الخارج.
في ذكرى 22 مايو…
لا نحتاج إلى شعارات، بل إلى صدق في توصيف الواقع: الوحدة تم اغتيالها على أيدي الجميع، الحوثي بقبحه، والشرعية بفسادها، والانفصاليون بارتزاقهم.
لكن رغم ذلك، أنا أكتب لأنني أؤمن أن الشعب اليمني، في العمق، لا يزال يريد وطنًا موحدًا، يريد يمنًا بلا سجون سرية، ولا منفى شرعي، ولا مشاريع تقزيم.
أنا أكتب لابنتي “ثناء”، لأقول لها إن الوحدة كانت، ويمكن أن تعود، لكنها لن تعود بقرارات فوقية، ولا بتحالفات مأجورة، بل تعود حين يستعيد اليمنيون وعيهم، وينظّفوا بيوتهم من كل هؤلاء.
الوحدة لا تموت، لكنها تُغتال كل يوم… ونحن شهود، لكننا لن نكون صامتين